الروضة الندية شرح التحفة العلوية،

محمد بن إسماعيل بن صلاح الأمير (المتوفى: 1182 هـ)

ذكر بيعته #، وخروجه إلى معاوية، وتسليمه إليه الأمر

صفحة 286 - الجزء 1


= وفاة علي # إلى معاوية من الحسن بن علي إلى معاوية بن أبي سفيان، أما بعد: فإني قد صالحتك ورغبت في الصلح؛ رغبة مني في حقن دماء المسلمين؛ وإيثارًا لسلامة حشاشات أنفس بقيت بعد أمير المؤمنين، فارض مني يا معاوية بالصلح، فلا خير لي ولا لأهلي في رجوع أيام صفين التي كان فيها هلاك طوائف المسلمين، فهذه طريقة الاختيار للصلح من غير سبب، والمعلوم خلاف هذا. قالوا: فإذا وقف في وجه الأسد تبين أن داعيه قد تغير، وأنه اعتقد في نفسه مقاومة الأسد، وزال عنه الإلجاء. فالحسن # لم يكن ألجاؤه إلى الصلح دافعا لحسن رأيه ورافعا لحكم اختياره، والحق في صلحه أنه حين رأى تخاذل الناس عنه وإبطاءهم عن نصرته، وكان قد بايعه أربعون ألفا من بايع أباه #، وخرج # يريد قتال معاوية عازما على ذلك، ومجدا على ما هنالك، وعلى مقدمته أبو الغمر طه في اثني عشر ألفا ذكره في الاستيعاب، وسار الحسن # في أهل الحجاز وأهل العراق، وسار معاوية في أهل الشام والكل جاد في قتال عدوه على ما كان عليه أمير المؤمنين # في أيام صفين، فلما التقى الجمعان، وكان عبيد الله، بن العباس أول الخاذلين، وأصبح في جند معاوية قد فارق مع المفارقين، وذلك بمكيدة كاده بها معاوية، ثم اضطرب أمر الجيش على الحسن #، واختلفوا عليه اختلافا شديدًا حتى كان ما كان من انتهاب فسطاطه وطعن فخذه، ونهب متاعه بمرأى من الناس ومشهد، فحينئذ رأى أن الهدنة أولى، واقتدى في ذلك بفعل أبيه ÷ يوم الحديبية في صلح قريش، فصالح مضطرا إلى الصلح، ولو رأى من عسكره نصيحة ما رأى الصلح ولا اختاره، ولو رغب في الصلح من أول وهلة ما سار في الجيش ولا اقتاده ولكان يغمد هذا السيف منذ فارق أبوه @ الحياة، لكنه أراد جهاد أعداء الله وأمل نصرة ملة رسول الله ÷ حتى رأى من أصحابه الخذلان، وعدم النصرة من الأعوان. وقد قال علي # في خطبته الشقشقية: «فوالله لولا حضور الحاضر، وقيام الحجة بوجود قيام الناصر، لألقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس أولها».

والحسن # عَدِمَ الناصر فصالح وفي العين، قذى، وفي الحلق شجيّ كما قال أبوه #، وخطبته يوم انعقاد الصلح تدل على ما في نفسه، قال صاحب الاستيعاب: لما دخل معاوية الكوفة كلمه عمرو بن العاص أن يأمر الحسن فيخطب الناس، فكره معاوية ذلك، وقال: لا حاجة لنا إلى ذلك! قال عمرو: ولكنني أريد ذلك؛ ليبدو عيه؛ فإنه لا يدري في هذه الأمور ما هي؟ ولم يزل بمعاوية حتى أمر الحسن أن يخطب، وقال: قم يا حسن فكلم الناس فيما جرى بيننا، فقام الحسن #: فتشهد، وحمد الله وأثنى عليه، ثم قال في بديهته: أما بعد أيها الناس فإن الله تعالى هداكم بأَوْلِنَا وَحَقَنَ دماءكم بآخرنا، وإن لهذا الأمر مدة، والدنيا دُوَل، وإن الله تعالى يقول: {وَإِنۡ أَدۡرِيٓ أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٞ مَّا تُوعَدُونَ ١٠٩ إِنَّهُۥ يَعۡلَمُ ٱلۡجَهۡرَ مِنَ ٱلۡقَوۡلِ وَيَعۡلَمُ مَا تَكۡتُمُونَ ١١٠ وَإِنۡ أَدۡرِي لَعَلَّهُۥ فِتۡنَةٞ لَّكُمۡ وَمَتَٰعٌ إِلَىٰ حِينٖ ١١١}⁣[الأنبياء: ١٠٩ - ١١١]! فلما قالها، قال معاوية لعمرو: هذا من رأيك، ومن كان له أدنى تمييز وذوق للكلام - عرف أن هذا الكلام كلام من لم يرضَ بمعاوية للخلافة زمامًا، ولم يرضَ به للمسلمين إمامًا، ولم يسلم له اختيارًا والتزاما، ومن قال بأنه سلم له الإمامة اعتياما، وألقى إليه مقاليدها احترامًا، وجعله لها نظامًا، وأبطل حقه منها استسلاما، فقد أسرف كلاما، واستحق ملاما؛ وقلنا له ما قال الله: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ ٱلۡجَٰهِلُونَ قَالُواْ سَلَٰمٗا ٦٣}⁣[الفرقان: ٦٣]. وقد ذكر المنصور بالله # في كتابه الشافي صفة الصلح وما كان من تلك الأحداث وأطال فيه مشجب الكلام، وكذلك الفقيد الشهيد ¦ في حدائقه =