[ذكر ورعه #]
  في هذا الموضع أن يُقَالَ: فَإِنَّ سَبْقَتَكُمْ إلى النارِ، فَتَأَمَّلْ ذلك فَإِنَّهُ عَجِيبٌ، وَغَوْرُهُ بَعِيد، وكذلك أَكْثَرُ كَلَامِهِ #. انتهى كلام الشريف [نهج البلاغة ١/ ٣٤٠].
  قلتُ: ولَنَشْرَحْ بعضَ ألفاظِ الخَطْبَةِ العَلَوِيَّةِ لِتَتِمَّ الفائدة، قوله #: (آذَنَتْ): أَعْلَمَتْ، وَ (الْمِضْمَارُ) الْمَوضِعُ الذي تُضَمَّرُ فيه الخيل، ويكونُ وَقْتًا للأيام التي تُضَمَّرُ فيها الخيل، وتَضْمِيرُ الخيل هو أَنْ يُظَاهَرَ عليها بالعَلْفِ حتى تَسْمَنَ، ثم لا تُعْلَفُ إِلا قُوتًا لِتَخِفَّ، و (السُّبْقَةُ) بِضَمِّ السين: اسْمٌ لِمَا يُجْعَلُ للسَّابِقِ إِذا سَبَقَ مِنْ مَالٍ أَو عَرَضِ. وقوله: (فَاعْمَلُوا فِي الرَّغْبَة) أي: لا تكونوا كمن قال الله فيه: {وَإِذَآ أَنۡعَمۡنَا عَلَى ٱلۡإِنسَٰنِ أَعۡرَضَ وَنَـَٔا بِجَانِبِهِۦ وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٖ ٥١}[فصلت: ٥١]، يقول: أَحَدُكُمْ إِذَا مَسَّهُ الضُّرُّ يَشْتَدُّ به الإِخْلَاصُ، فَأَمَرَ أَنْ يَعْمَلَ الْمُكَلَّفُ أيامَ عَدَمِ الْخَوفِ مِثْلَ عَمَلِهِ أَيَّامَ نُزُولِ الفِتَنِ.
  ومن بَدَائِعِ خُطَبِهِ # ما ساقه الحافظ السيوطي في الجامع، عن عبد الملك بن قريب قال: سمعتُ العلاء بن زياد الأعرابي يقول: سمعت أبي يقول: صَعِدَ علي # المنبر الكوفة بَعْدَ الفِتْنَةِ وفَرَاغِهِ مِنَ النَّهْرَوَانِ، فَحَمِدَ اللهَ تَعَالى وأَثْنَى عليه، وخَنَقَتْهُ العَبْرَةُ، فَبَكَى حَتَّى اخْضَلَّتْ لِحْيَتُهُ بِدُمُوعِهِ وَجَرَتْ، ثُمَّ نَفَضَ لِحْيَتَهُ فوقع رَشَاشُهَا على ناسٍ مِنَ النَّاسِ، فَكُنَّا نَقُولُ: إِنَّ مَنْ أَصَابَهُ مِنْ دُمُوعِه # فَقَدْ حَرَّمَهُ اللهُ عَلى النَّارِ!
  ثُمَّ قال: أَيُّهَا النَّاسُ لا تَكُونُوا مِمَّنْ يَرْجُو الآخِرَةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ، وَيُرْجي التَّوْبَةَ بِطُولِ الْأَمَلِ، يَقُولُ فِي الدُّنْيَا قَوْلَ الزَّاهِدِينَ، ويَعْمَلُ فِيهَا عَمَلَ الرَّاغِبِينَ، إِنْ أُعْطِيَ مِنْهَا لَمْ يَشْبَعْ، وإِنْ مُنِعَ مِنْهَا لَمْ يَقْنَعْ، يَعْجِزُ عَنْ شُكْرِ مَا أُوتِي، وَيَبْتَغِي الزِّيَادَةَ فِيْمَا بَقِي، يَأْمُرُ ولا يَأْتِي، ويَنْهَى ولا يَنْتَهِي، يُحِبُّ الصَّالِحِيْنَ وَلَا يَعْمَلُ عَمَلَهُمْ، ويُبْغِضُ الظَّالِمِينَ وهُوَ مِنْهُمْ! تَغْلِبُهُ نَفْسُهُ عَلَى مَا يَظُنُّ، ولا يَغْلِبُهَا عَلَى مَا يَسْتَيْقِنُ، إِنِ اسْتَغْنَى فُتِنَ، وَإِنْ مَرِضَ حَزِنْ، وَإِنِ افْتَقَرَ قَنِطَ وَوَهَنَ، فَهْوَ بِيْنَ الذَّنْبِ وَالنِّعْمَةِ يَرْتَعُ، يُعَافَى فَلَا يَشْكُرُ، ويُبْتَلَى فَلَا يَصْبِرُ، كَأَنَّ الْمُحَذَّرَ مِنَ الْمَوتِ سِوَاهُ، وَكَأَنَّ مَنْ