الروضة الندية شرح التحفة العلوية،

محمد بن إسماعيل بن صلاح الأمير (المتوفى: 1182 هـ)

ذكر بني أمية وقصدهم هدم مناقب أمير المؤمنين #

صفحة 391 - الجزء 1

  فإنه نال من الفضائل ما سَمِعَتْ أُذْنَاكَ، ولم يَسْبِقْهُ أَحَدٌ في ذلك، ولا لَحِقَهُ أَحَدٌ فيه، وقد ظهر هذا مما أسلفناه.

  ولْنَزِدْ هُنَا مِمَّا اخْتَصَّ بِهِ: إِخْبَارُهُ بِالْمُغَيِّبَاتِ، وقد قدمنا طرفا من ذلك: كإخباره بالخوارج وصِفَتِهِمْ، وقد سردنا من ذلك أَطْرَافًا.

  ومن ذلك إِخْبَارُهُ بعمر بن عبدالعزيز [كما أخرجه عبدالله بن أحمد في الزهد من حديث علي # قال: لا تلعنوا بني أمية فإن فيهم أميرًا صالحا - يعني عمر بن عبدالعزيز]⁣(⁣١).

  ومن ذلك إِخْبَارُهُ الحُجْرٍ أنه يُؤْمَرُ بلعنه #: كما أخرجه السيوطي في جامعه من حديث حجر⁣(⁣٢) قال: قال لي علي: كيف بك إذا أُمِرْتَ بِلَعْنِي؟ قال: قلتُ: وَكَائِنُ ذلك؟ قال: نعم، قلتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ؟ قال: الْعَنِّي ولا تَبَرَّأُ مِنِّي! قال فأمرني محمد بن يوسف أخو الحجاج، وكان أَمِيرًا على اليمن [أَنْ أَلْعَنَ عَلِيًّا]⁣(⁣٣)، فقلتُ: أيها الناسُ إِنَّ الأميرَ أَمَرَنِي أَنْ أَلْعَنَ عَلِيًّا فَالْعَنُوهُ لَعَنَهُ اللهُ! ولم يَفْطَنْ لَهَا إِلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ⁣(⁣٤).

  وقَدْ أُورِدَ سُؤال وهو: أنه # كيف أَذِنَ له في سَبِّهِ ولم يَأْذَنْ فِي البَرَاءَةِ منه؛ وحُكْمُهُمَا وَاحِدٌ: فعند المعتزلة يَجُوزَانِ عند خَوْفِهِ على نفسه: كما يَجُوزُ إظهار كَلِمَةِ الكُفْرِ، ويَجُوزُ أن لا يَفْعَلَهُمَا، وإن قيل: إذا كان فيه إعزاز للدين.

  وأُجِيبَ بأنه # اسْتَفْحَشَ البَرَاءَةَ؛ لأنها لم تَرِدْ في القرآن إلا من المشركين: {بَرَآءَةٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦٓ إِلَى ٱلَّذِينَ عَٰهَدتُّم مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ١}⁣[التوبة: ١]، {أَنَّ ٱللَّهَ بَرِيٓءٞ مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ وَرَسُولُهُۥۚ}⁣[التوبة: ٣]، {إِنَّا بُرَءَٰٓؤُاْ مِنكُمۡ وَمِمَّا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ}⁣[الممتحنة: ٤]؛ فقد صَارَتْ بِحُكْمِ العُرْفِ الشَّرْعِيّ مُطْلَقَةٌ على


(١) ما بين المعقوفتين من (ب). وينظر كنز العمال ١٤/ ٢٨ رقم ٣٧٨٥٢.

(٢) حجر بن قيس الهمداني المدري اليماني، من خيار التابعين، كان من المختصين بخدمة أمير المؤمنين علي، روى له النسائي، وأبو داود وابن ماجة. ينظر: تهذيب الكمال ٥/ ٤٧٥، وأعيان الشيعة ٤/ ٥٨٧، وطبقات ابن سعد ٥/ ٤٥٦.

(٣) ما بين المعقوفتين من (ب).

(٤) شرح النهج ١/ ٧٧٩، وتاريخ دمشق ٥٦/ ٣١٠.