ذكر بني أمية وقصدهم هدم مناقب أمير المؤمنين #
  فإنه نال من الفضائل ما سَمِعَتْ أُذْنَاكَ، ولم يَسْبِقْهُ أَحَدٌ في ذلك، ولا لَحِقَهُ أَحَدٌ فيه، وقد ظهر هذا مما أسلفناه.
  ولْنَزِدْ هُنَا مِمَّا اخْتَصَّ بِهِ: إِخْبَارُهُ بِالْمُغَيِّبَاتِ، وقد قدمنا طرفا من ذلك: كإخباره بالخوارج وصِفَتِهِمْ، وقد سردنا من ذلك أَطْرَافًا.
  ومن ذلك إِخْبَارُهُ بعمر بن عبدالعزيز [كما أخرجه عبدالله بن أحمد في الزهد من حديث علي # قال: لا تلعنوا بني أمية فإن فيهم أميرًا صالحا - يعني عمر بن عبدالعزيز](١).
  ومن ذلك إِخْبَارُهُ الحُجْرٍ أنه يُؤْمَرُ بلعنه #: كما أخرجه السيوطي في جامعه من حديث حجر(٢) قال: قال لي علي: كيف بك إذا أُمِرْتَ بِلَعْنِي؟ قال: قلتُ: وَكَائِنُ ذلك؟ قال: نعم، قلتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ؟ قال: الْعَنِّي ولا تَبَرَّأُ مِنِّي! قال فأمرني محمد بن يوسف أخو الحجاج، وكان أَمِيرًا على اليمن [أَنْ أَلْعَنَ عَلِيًّا](٣)، فقلتُ: أيها الناسُ إِنَّ الأميرَ أَمَرَنِي أَنْ أَلْعَنَ عَلِيًّا فَالْعَنُوهُ لَعَنَهُ اللهُ! ولم يَفْطَنْ لَهَا إِلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ(٤).
  وقَدْ أُورِدَ سُؤال وهو: أنه # كيف أَذِنَ له في سَبِّهِ ولم يَأْذَنْ فِي البَرَاءَةِ منه؛ وحُكْمُهُمَا وَاحِدٌ: فعند المعتزلة يَجُوزَانِ عند خَوْفِهِ على نفسه: كما يَجُوزُ إظهار كَلِمَةِ الكُفْرِ، ويَجُوزُ أن لا يَفْعَلَهُمَا، وإن قيل: إذا كان فيه إعزاز للدين.
  وأُجِيبَ بأنه # اسْتَفْحَشَ البَرَاءَةَ؛ لأنها لم تَرِدْ في القرآن إلا من المشركين: {بَرَآءَةٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦٓ إِلَى ٱلَّذِينَ عَٰهَدتُّم مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ١}[التوبة: ١]، {أَنَّ ٱللَّهَ بَرِيٓءٞ مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ وَرَسُولُهُۥۚ}[التوبة: ٣]، {إِنَّا بُرَءَٰٓؤُاْ مِنكُمۡ وَمِمَّا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ}[الممتحنة: ٤]؛ فقد صَارَتْ بِحُكْمِ العُرْفِ الشَّرْعِيّ مُطْلَقَةٌ على
(١) ما بين المعقوفتين من (ب). وينظر كنز العمال ١٤/ ٢٨ رقم ٣٧٨٥٢.
(٢) حجر بن قيس الهمداني المدري اليماني، من خيار التابعين، كان من المختصين بخدمة أمير المؤمنين علي، روى له النسائي، وأبو داود وابن ماجة. ينظر: تهذيب الكمال ٥/ ٤٧٥، وأعيان الشيعة ٤/ ٥٨٧، وطبقات ابن سعد ٥/ ٤٥٦.
(٣) ما بين المعقوفتين من (ب).
(٤) شرح النهج ١/ ٧٧٩، وتاريخ دمشق ٥٦/ ٣١٠.