الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة يونس

صفحة 329 - الجزء 2

  الخلق، بمعنى لأنه. أو هو منصوب بالفعل الذي نصب وعد الله: أى وعد الله وعداً بدأ الخلق ثم إعادته. والمعنى: إعادة الخلق بعد بدئه. وقرئ: وعد الله، على لفظ الفعل. ويبدئ، من أبدأ. ويجوز أن يكون مرفوعاً بما نصب حقا، أى حقّ حقا بدأ الخلق، كقوله:

  أَحَقَّا عِبَادَ اللهِ أَنْ لَسْتُ جَائِياً ... وَلَا ذَاهِباً إلّا عَلَىَّ رَقِيبُ

  وقرئ: حق أنه يبدؤ الخلق، كقولك: حق أنّ زيداً منطلق {بِالْقِسْطِ} بالعدل، وهو متعلق بيجزى. والمعنى: ليجزيهم بقسطه ويوفيهم أجورهم. أو بقسطهم وبما أقسطوا وعدلوا ولم يظلموا حين آمنوا وعملوا صالحاً، لأنّ الشرك ظلم. قال الله تعالى {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} والعصاة ظلام أنفسهم، وهذا أوجه، لمقابلة قوله {بِما كانُوا يَكْفُرُونَ}.

  {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ٥}

  الياء في {ضِياءً} منقلبة عن واو ضوء لكسرة ما قبلها. وقرئ: ضئاء بهمزتين بينهما ألف على القلب، بتقديم اللام على العين، كما قيل في عاق: عقا. والضياء أقوى من النور {وَقَدَّرَهُ} وقدّر القمر. والمعنى وقدّر مسيره {مَنازِلَ} أو قدّره ذا منازل، كقوله تعالى {وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ}. {وَالْحِسابَ} وحساب الأوقات من الشهور والأيام والليالي {ذلِكَ} إشارة إلى المذكور أى ما خلقه إلا ملتبساً بالحق الذي هو الحكمة البالغة ولم يخلقه عبثاً. وقرئ: يفصل، بالياء.

  {إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ ٦}

  خصّ المتقين لأنهم يحذرون العاقبة فيدعوهم الحذر إلى النظر والتدبر.