الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة يونس

صفحة 330 - الجزء 2

  {إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ ٧ أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ ٨}

  {لا يَرْجُونَ لِقاءَنا} لا يتوقعونه أصلا، ولا يخطرونه ببالهم لغفلتهم المستولية عليهم، المذهلة باللذات وحب العاجل عن التفطن للحقائق. أو لا يأملون حسن لقائنا كما يأمله السعداء أو لا يخافون سوء لقائنا الذي يجب أن يخاف {وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا} من الآخرة، وآثروا القليل الفاني على الكثير الباقي، كقوله تعالى {أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ}. {وَاطْمَأَنُّوا بِها} وسكنوا فيها سكون من لا يزعج عنها، فبنوا شديداً وأمّلوا بعيداً.

  {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ٩ دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ١٠}

  {يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ} يسدّدهم بسبب إيمانهم للاستقامة على سلوك السبيل المؤدّى إلى الثواب، ولذلك جعل {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ} بيانا له وتفسيرا، لأنّ التمسك بسبب السعادة كالوصول إليها. ويجوز أن يريد: يهديهم في الآخرة بنور إيمانهم إلى طريق الجنة، كقوله تعالى {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ} ومنه الحديث: «إنّ المؤمن إذا خرج من قبره صوّر له عمله في صورة حسنة، فيقول له: أنا عملك، فيكون له نوراً وقائداً إلى الجنة. والكافر إذا خرج من قبره صوّر له عمله في صورة سيئة فيقول له: أنا عملك، فينطلق به حتى يدخله النار» فإن قلت: فلقد دلت هذه الآية على أنّ الإيمان الذي يستحق به العبد الهداية والتوفيق والنور يوم القيامة، هو إيمان مقيد، وهو الإيمان المقرون بالعمل الصالح.