الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة يونس

صفحة 367 - الجزء 2

  لأنه لو كان منه لكان حقه أن يقال وجوّزنا بنى إسرائيل في البحر كما قال:

  كَمَا جَوَّزَ السَّكِّىَّ فِى الْبَابِ فَيْتَقُ

  {فَأَتْبَعَهُمْ} فلحقهم. يقال: تبعته حتى أتبعته. وقرأ الحسن: وعدوّا. وقرئ: أنه بالفتح على حذف الياء التي هي صلة الإيمان، وإنه بالكسر على الاستئناف بدلا من آمنت. كرر المخذول المعنى الواحد ثلاث مرات في ثلاث عبارات حرصاً على القبول، ثم لم يقبل منه حيث أخطأ وقته. وقاله حين لم يبق له اختيار قط، وكانت المرّة الواحدة كافية في حال الاختيار وعند بقاء التكليف.

  {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ٩١ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ ٩٢}

  {آلْآنَ} أتؤمن الساعة في وقت الاضطرار حين أدركك الغرق وأيست من نفسك. قيل: قال ذلك حين ألجمه الغرق يعنى حين أوشك أن يغرق. وقيل: قاله بعد أن غرق في نفسه. والذي يحكى أنه حين قال {آمَنَتْ} أخذ جبريل من حال البحر فدسه في فيه، فللغضب لله على الكافر في وقت قد علم أنّ إيمانه لا ينفعه. وأمّا ما يضم إليه من قولهم: خشية أن تدركه رحمة الله فمن زيادات الباهتين لله وملائكته: وفيه جهالتان، إحداهما: أنّ الإيمان يصح بالقلب كإيمان الأخرس، فحال البحر لا يمنعه. والأخرى: أنّ من كره إيمان الكافر وأحب بقاءه على الكفر فهو كافر