الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة هود #

صفحة 386 - الجزء 2

  بالارتداد، وهم الثانية لتأكيد كفرهم بالآخرة واختصاصهم به {أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ} أى ما كانوا يعجزون الله في الدنيا أن يعاقبهم لو أراد عقابهم، وما كان لهم من يتولاهم فينصرهم منه ويمنعهم من عقابه، ولكنه أراد إنظارهم وتأخير عقابهم إلى هذا اليوم، وهو من كلام الأشهاد {يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ} وقرئ: يضعف {ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ} أراد أنهم لفرط تصامّهم عن استماع الحق وكراهتهم له، كأنهم لا يستطيعون السمع ولعل بعض المجبرة يتوثب إذا عثر عليه فيوعوع به على أهل العدل، كأنه لم يسمع الناس يقولون في كل لسان: هذا كلام لا أستطيع أن أسمعه، وهذا مما يمجه سمعي. ويحتمل أن يريد بقوله {وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ} أنهم جعلوا آلهتهم أولياء من دون الله، وولايتها ليست بشيء، فما كان لهم في الحقيقة من أولياء، ثم بين نفى كونهم أولياء بقوله {ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ} فكيف يصلحون للولاية. وقوله {يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ} اعتراض بوعيد {خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ} اشتروا عبادة الآلهة بعبادة الله، فكان خسرانهم في تجارتهم مالا خسران أعظم منه، وهو أنهم خسروا أنفسهم {وَضَلَّ عَنْهُمْ} وبطل عنهم وضاع ما اشتروه وهو {ما كانُوا يَفْتَرُونَ} من الآلهة وشفاعتها {لا جَرَمَ} فسر في مكان آخر {هُمُ الْأَخْسَرُونَ} لا ترى أحداً أبين خسراناً منهم.

  {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ٢٣}