الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة هود #

صفحة 431 - الجزء 2

  عن عبد الله بن عمرو بن العاص: ليأتين على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها ليس فيها أحد، وذلك بعد ما يلبثون فيها أحقاباً، وقد بلغني أن من الضلال من اغترّ بهذا الحديث، فاعتقد أن الكفار لا يخلدون في النار، وهذا ونحوه والعياذ بالله من الخذلان المبين، زادنا الله هداية إلى الحق ومعرفة بكتابه، وتنبيهاً على أن نعقل عنه، ولئن صح هذا عن ابن العاص، فمعناه أنهم يخرجون من حرّ النار إلى برد الزمهرير فذلك خلوّ جهنم وصفق أبوابها، وأقول: ما كان لابن عمرو في سيفيه، ومقاتلته بهما على بن أبى طالب رضى الله عنه، ما يشغله عن عن تسيير هذا الحديث.

  {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاَّ ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ١٠٨ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ ما يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ ١٠٩}

  {غَيْرَ مَجْذُوذٍ} غير مقطوع، ولكنه ممتدّ إلى غير نهاية، كقوله {لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ}. لما قصّ قصص عبدة الأوثان، وذكر ما أحلّ بهم من نقمه، وما أعدّ لهم من عذابه قال: {فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ} أى: فلا تشك بعد ما أنزل عليك من هذه القصص في سوء عاقبة عبادتهم وتعرّصهم بها لما أصاب أمثالهم قبلهم تسلية لرسول الله ÷، وعدة بالانتقام منهم ووعيداً لهم ثم قال {ما يَعْبُدُونَ إِلَّا كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ} يريد أن حالهم في الشرك مثل حال آبائهم من غير تفاوت بين الحالين، وقد بلغك ما نزل بآبائهم فسينزلنّ بهم مثله، وهو استئناف معناه تعليل النهى عن المرية. و «ما» في مما، وكما: يجوز أن تكون مصدرية وموصولة، أى: من عبادتهم، وكعبادتهم. أو مما يعبدون من الأوثان، ومثل ما يعبدون منها {وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ} أى حظهم من العذاب كما وفينا آباءهم أنصباءهم. فإن قلت: