سورة إبراهيم
  جنبني وأجنبنى، والمعنى: ثبتنا وأدمنا على اجتناب عبادتها {وَبَنِيَ} أراد بنيه من صلبه. وسئل ابن عيينة: كيف عبدت العرب الأصنام؟ فقال: ما عبد أحد من ولد إسماعيل صنما، واحتج بقوله {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ} إنما كانت أنصاب حجارة لكل قوم، قالوا: البيت حجر، فحيثما نصبنا حجراً فهو بمنزلة البيت، فكانوا يدورون بذلك الحجر ويسمونه الدوار، فاستحب أن يقال: طاف بالبيت، ولا يقال: دار بالبيت {إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ} فأعوذ بك أن تعصمني وبنىّ من ذلك، وإنما جعلن مضلات، لأنّ الناس ضلوا بسببهنّ، فكأنهنّ أضللنهم، كما تقول: فتنتهم الدنيا وغرّتهم، أى افتتنوا بها واغتروا بسببها {فَمَنْ تَبِعَنِي} على ملتي وكان حنيفا مسلما مثلي {فَإِنَّهُ مِنِّي} أى هو بعضى لفرط اختصاصه بى وملابسته لي، وكذلك قوله «من غشنا فليس منا» أى ليس بعض المؤمنين، على أنّ الغش ليس من أفعالهم وأوصافهم {وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} تغفر له ما سلف منه من عصياني إذا بدا له فيه واستحدث الطاعة لي. وقيل: معناه ومن عصاني فيما دون الشرك.
  {رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ٣٧}
  {مِنْ ذُرِّيَّتِي} بعض أولادى وهم إسماعيل ومن ولد منه {بِوادٍ} هو وادى مكة {غَيْرِ ذِي زَرْعٍ} لا يكون فيه شيء من زرع قط، كقوله {قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ} بمعنى لا يوجد فيه اعوجاج، ما فيه إلا الاستقامة لا غير. وقيل للبيت المحرم، لأنّ الله حرم التعرض له والتهاون به، وجعل ما حوله حرما لمكانه، أو لأنه لم يزل ممنعا عزيزا يهابه كل جبار، كالشئ المحرم الذي حقه أن يجتنب، أو لأنه محترم عظيم الحرمة لا يحل انتهاكه، أو لأنه حرّم على الطوفان أى منع منه، كما سمى عتيقا لأنه أعتق منه فلم يستول عليه {لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ} اللام متعلقة بأسكنت، أى: ما أسكنتهم هذا الوادي الخلاء البلقع من كل مرتفق ومرتزق، إلا ليقيموا