سورة الحجر
  وهو أجلها الذي كتب في اللوح وبين، ألا ترى إلى قوله {ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها} في موضع كتابها، وأنث الأمّة أوّلا ثم ذكرها آخرا، حملا على اللفظ والمعنى: وقال {وَما يَسْتَأْخِرُونَ} بحذف «عنه» لأنه معلوم.
  {وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ ٦}
  قرأ الأعمش: يا أيها الذي ألقى عليه الذكر، وكأن هذا النداء منهم على وجه الاستهزاء، كما قال فرعون {إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} وكيف يقرّون بنزول الذكر عليه وينسبونه إلى الجنون. والتعكيس في كلامهم للاستهزاء والتهكم مذهب واسع. وقد جاء في كتاب الله في مواضع، منها {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ}، {إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} وقد يوجد كثيراً في كلام العجم، والمعنى: إنك لتقول قول المجانين حين تدعى أنّ الله نزل عليك الذكر.
  {لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ٧}
  «لو» ركبت مع «لا» و «ما» لمعنيين: معنى امتناع الشيء لوجود غيره، ومعنى التحضيض، وأما «هل» فلم تركب إلا مع «لا» وحدها للتحضيض: قال ابن مقبل:
  لَوْ مَا الْحَيَاءُ وَلَوْ مَا الدّينُ عِبْتُكُمَا ... بِبَعْضِ مَا فِيكُمَا إذْ عِبْتُمَا عَوَرِى
  والمعنى: هلا تأتينا بالملائكة يشهدون بصدقك ويعضدونك على إنذارك، كقوله تعالى {لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً} أو: هلا تأتينا بالملائكة للعقاب على تكذيبنا لك إن كنت صادقا كما كانت تأتي الأمم المكذبة برسلها؟.
  {ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ ٨}
  قرئ: تنزل، بمعنى تتنزل وتنزل على البناء للمفعول من نزل، وننزل الملائكة: بالنون ونصب الملائكة {إِلَّا بِالْحَقِ} إلا تنزلا ملتبساً بالحكمة والمصلحة، ولا حكمة في أن تأتيكم عياناً تشاهدونهم ويشهدون لكم بصدق النبي ÷، لأنكم حينئذ مصدّقون عن اضطرار. ومثله قوله تعالى {وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِ} وقيل: الحق