سورة الإسراء
  بهما حيث افتتحها بأن شفع الإحسان إليهما بتوحيده، ونظمهما في سلك القضاء بهما معا، ثم ضيق الأمر في مراعاتهما حتى لم يرخص في أدنى كلمة تنفلت من المتضجر مع موجبات الضجر ومقتضياته، ومع أحوال لا يكاد يدخل صبر الإنسان معها في استطاعة {وَلا تَنْهَرْهُما} ولا تزجرهما عما يتعاطيانه مما لا يعجبك. والنهى والنهر والنهم: أخوات {وَقُلْ لَهُما} بدل التأفيف والنهر {قَوْلاً كَرِيماً} جميلا، كما يقتضيه حسن الأدب والنزول على المروءة. وقيل: هو أن يقول: يا أبتاه، يا أماه، كما قال إبراهيم لأبيه: يا أبت، مع كفره، ولا يدعوهما بأسمائهما فإنه من الجفاء وسوء الأدب وعادة الدعار. قالوا: ولا بأس به في غير وجهه، كما قالت عائشة ^: نحلنى أبو بكر كذا. وقرئ: جناح الذل، والذل: بالضم والكسر فإن قلت: ما معنى قوله {جَناحَ الذُّلِ}؟ قلت: فيه وجهان، أحدهما: أن يكون المعنى: واخفض لهما جناحك كما قال {وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} فأضافه إلى الذل أو الذلّ، كما أضيف حاتم إلى الجود على معنى: واخفض لهما جناحك الذليل أو الذلول. والثاني: أن تجعل لذله أو لذله لهما جناحا خفيضا، كما جعل لبيد للشمال يداً، وللقوّة زماما، مبالغة في التذلل والتواضع لهما {مِنَ الرَّحْمَةِ} من فرط رحمتك لهما وعطفك عليهما، لكبرهما وافتقارهما اليوم إلى من كان أفقر خلق الله إليهما بالأمس، ولا تكتف برحمتك عليهما التي لا بقاء لها وادع الله بأن يرحمهما رحمته الباقية، واجعل ذلك جزاء لرحمتهما عليك في صغرك وتربيتهما لك. فان قلت: الاسترحام لهما إنما يصح إذا كانا مسلمين. قلت: وإذا كانا كافرين فله أن يسترحم لهما بشرط الايمان، وأن يدعو الله لهما بالهداية والإرشاد، ومن الناس من قال: كان الدعاء للكفار جائزاً ثم نسخ. وسئل ابن عيينة عن الصدقة عن الميت فقال: كل ذلك واصل إليه، ولا شيء أنفع له من الاستغفار. ولو كان شيء أفضل منه لأمركم به في الأبوين. ولقد كرّر الله سبحانه في كتابه الوصية بالوالدين. وعن النبىّ ÷ «رضا الله في رضا الوالدين، وسخطه في سخطهما» وروى «يفعل البارّ ما يشاء أن يفعل فلن يدخل النار، ويفعل