الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الإسراء

صفحة 680 - الجزء 2

  فتركبوا البحر الذي نجاكم منه فأعرضتم، فينتقم منكم بأن يرسل {عَلَيْكُمْ قاصِفاً} وهي الريح التي لها قصيف وهو الصوت الشديد، كأنها تتقصف أى تتكسر. وقيل: التي لا تمرّ بشيء إلا قصفته {فَيُغْرِقَكُمْ} وقرئ بالتاء، أى الريح. وبالنون، وكذلك: نخسف، ونرسل، ونعيدكم. قرئت بالياء والنون. التبيع: المطالب، من قوله {فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ} أى مطالبة. قال الشماخ:

  كَمَا لَاذَ الْغَرِيمُ مِنَ التَّبِيعِ

  يقال: فلان على فلان تبيع بحقه، أى مصيطر عليه مطالب له بحقه. والمعنى: أنا نفعل ما نفعل بهم، ثم لا تجد أحدا يطالبنا بما فعلنا انتصارا منا ودركا للثأر من جهتنا. وهذا نحو قوله {وَلا يَخافُ عُقْباها}. {بِما كَفَرْتُمْ} بكفرانكم النعمة، يريد: إعراضهم حين نجاهم.

  {وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً ٧٠}

  قيل في تكرمة ابن آدم: كرّمه الله بالعقل، والنطق، والتمييز، والخط، والصورة الحسنة والقامة المعتدلة، وتدبير أمر المعاش والمعاد. وقيل بتسليطهم على ما في الأرض وتسخيره لهم. وقيل: كل شيء يأكل بفيه إلا ابن آدم. وعن الرشيد: أنه أحضر طعاما فدعا بالملاعق وعنده أبو يوسف، فقال له: جاء في تفسير جدك ابن عباس قوله تعالى {وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ} جعلنا لهم أصابع يأكلون بها، فأحضرت الملاعق فردّها وأكل بأصابعه {عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا} هو ما سوى الملائكة، وحسب بنى آدم تفضيلا أن ترفع عليهم الملائكة وهم هم