الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الإسراء

صفحة 689 - الجزء 2

  نوبة جديدة، فأملأك خدودا سجدا، يدفون إليك دفيف النسور، يحنون إليك حنين الطير إلى بيضها. لهم عجيج حولك بالتلبية. ولما نزلت هذه الآية يوم الفتح قال جبريل # لرسول الله ÷: خذ مخصرتك ثم ألقها، فجعل يأتى صنما صنما وهو ينكت بالمخصرة في عينه ويقول: جاء الحق وزهق الباطل، فينكب الصنم لوجهه حتى ألقاها جميعا، وبقي صنم خزاعة فوق الكعبة وكان من قوارير صفر فقال: يا على، ارم به، فحمله رسول الله ÷ حتى صعد فرمى به فكسره، فجعل أهل مكة يتعجبون ويقولون: ما رأينا رجلا أسحر من محمد ÷. وشكاية البيت والوحى إليه: تمثيل وتخييل {وَزَهَقَ الْباطِلُ} ذهب وهلك، من قولهم: زهقت نفسه، إذا خرجت. والحق: الإسلام. والباطل: الشرك {كانَ زَهُوقاً} كان مضمحلا غير ثابت في كل وقت.

  {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَساراً ٨٢}

  {وَنُنَزِّلُ} قرئ بالتخفيف والتشديد {مِنَ الْقُرْآنِ} من للتبيين، كقوله: من الأوثان. أو للتبعيض، أى: كل شيء نزل من القرآن فهو شفاء للمؤمنين، يزدادون به إيمانا، ويستصلحون به دينهم، فموقعه منهم موقع الشفاء من المرضى. وعن النبي ÷: «من لم يستشف بالقرآن فلا شفاه الله» ولا يزداد به الكافرون {إِلَّا خَساراً} أى نقصانا لتكذيبهم به وكفرهم، كقوله تعالى: {فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ}.

  {وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً ٨٣ قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً ٨٤}

  {وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ} بالصحة والسعة {أَعْرَضَ} عن ذكر الله، كأنه مستغن عنه