الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الإسراء

صفحة 690 - الجزء 2

  مستبدّ بنفسه {وَنَأى بِجانِبِهِ} تأكيد للإعراض، لأنّ الإعراض عن الشيء أن يوليه عرض وجهه. والنأى بالجانب: أن يلوى عنه عطفه ويوليه ظهره، وأراد الاستكبار، لأنّ ذلك من عادة المستكبرين {وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ} من فقر أو مرض أو نازلة من النوازل {كانَ يَؤُساً} شديد اليأس من روح الله {إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ}. وقرئ: وناء بجانبه، بتقديم اللام على العين، كقولهم «راء» في «رأى» ويجوز أن يكون من «ناء» بمعنى «نهض» {قُلْ كُلٌ} أحد {يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ} أى على مذهبه وطريقته التي تشاكل حاله في الهدى والضلالة، من قولهم «طريق ذو شواكل» وهي الطرق التي تتشعب منه، والدليل عليه قوله {فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً} أى أسدّ مذهبا وطريقة.

  {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ٨٥}

  الأكثر على أنه الروح الذي في الحيوان. سألوه عن حقيقته فأخبر أنه من أمر الله، أى مما استأثر بعلمه. وعن ابن أبى بريدة. لقد مضى النبي ÷ وما يعلم الروح. وقيل: هو خلق عظيم روحانى أعظم من الملك. وقيل: جبريل #. وقيل: القرآن. و {مِنْ أَمْرِ رَبِّي} أى من وحيه وكلامه، ليس من كلام البشر، بعثت اليهود إلى قريش أن سلوه عن أصحاب الكهف، وعن ذى القرنين، وعن الروح، فإن أجاب عنها أو سكت فليس بنبىّ، وإن أجاب عن بعض وسكت عن بعض فهو نبىّ، فبين لهم القصتين وأبهم أمر الروح وهو مبهم في التوراة، فندموا على سؤالهم {وَما أُوتِيتُمْ} الخطاب أم أنت معناه فيه؟ فقال: بل نحن وأنتم لم نؤت من العلم إلا قليلا، فقالوا: ما أعجب شأنك: ساعة تقول {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً} وساعة تقول هذا، فنزلت: {وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ