سورة الكهف
  {لِيُنْذِرَ} الذين كفروا {بَأْساً شَدِيداً} والبأس من قوله {بِعَذابٍ بَئِيسٍ} وقد بؤس العذاب وبؤس الرجل بأسا وبآسة {مِنْ لَدُنْهُ} صادرا من عنده. وقرئ: من لدنه، بسكون الدال مع إشمام الضمة وكسر النون {وَيُبَشِّرَ} بالتخفيف والتثقيل. فإن قلت: لم اقتصر على أحد مفعولي أنذر؟ قلت: قد جعل المنذر به هو الغرض المسبوق إليه، فوجب الاقتصار عليه. والدليل عليه تكرير الإنذار في قوله {وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً} متعلقا بالمنذرين من غير ذكر المنذر به، كما ذكر المبشر به في قوله {أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً} استغناء بتقدّم ذكره. والأجر الحسن: الجنة {ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ} أى بالولد أو باتخاذه، يعنى أنّ قولهم هذا لم يصدر عن علم ولكن عن جهل مفرط وتقليد للآباء، وقد اشتملته آباؤهم من الشيطان وتسويله. فإن قلت: اتخاذ الله ولدا في نفسه محال، فكيف قيل: ما لهم به من علم؟ قلت: معناه ما لهم به من علم، لأنه ليس مما يعلم لاستحالته، وانتفاء العلم بالشيء إمّا للجهل بالطريق الموصل إليه، وإما لأنه في نفسه محال لا يستقيم تعلق العلم به. قرئ: كبرت كلمة، وكلمة: بالنصب على التمييز والرفع على الفاعلية، والنصب أقوى وأبلغ. وفيه معنى التعجب، كأنه قيل: ما أكبرها كلمة. و {تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ} صفة للكلمة تفيد استعظاما لاجترائهم على النطق بها وإخراجها من أفواههم، فإن كثيرا مما يوسوسه الشيطان في قلوب الناس ويحدّثون به أنفسهم من المنكرات لا يتمالكون أن يتفوّهوا به ويطلقوا به ألسنتهم، بل يكظمون عليه تشوّرا من إظهاره، فكيف بمثل هذا المنكر؟ وقرئ كبرت بسكون الباء مع إشمام الضمة. فإن قلت: إلام يرجع الضمير في كبرت؟ قلت: إلى قولهم {اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً} وسميت كلمة كما يسمون القصيدة بها.
  {فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً ٦}
  شبهه وإياهم حين تولوا عنه ولم يؤمنوا به وما تداخله من الوجد والأسف على توليهم، برجل فارقه أحبته وأعزته فهو يتساقط حسرات على آثارهم ويبخع نفسه وجدا عليهم وتلهفا