الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الكهف

صفحة 705 - الجزء 2

  قريتهم. وقيل: مكانهم بين غضبان وأيلة دون فلسطين {كانُوا} آية {عَجَباً} من آياتنا وصفا بالمصدر، أو على: ذات عجب {مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً} أى رحمة من خزائن رحمتك، وهي المغفرة والرزق والأمن من الأعداء {وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا} الذي نحن عليه من مفارقة الكفار {رَشَداً} حتى تكون بسببه راشدين مهتدين، أو اجعل أمرنا رشدا كله، كقولك: رأيت منك أسدا {فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ} أى ضربنا عليها حجابا من أن تسمع، يعنى: أنمناهم إنامة ثقيلة لا تنبههم فيها الأصوات، كما ترى المستثقل في نومه يصاح به فلا يسمع ولا يستنبه، فحذف المفعول الذي هو الحجاب كما يقال: بنى على امرأته، يريدون: بنى عليها القبة {سِنِينَ عَدَداً} ذوات عدد، فيحتمل أن يريد الكثرة وأن يريد القلة، لأن الكثير قليل عنده، كقوله: {لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ}. وقال الزجاج: إذا قل فهم مقدار عدده فلم يحتج أن يعدّ، وإذا كثر احتاج إلى أن يعد

  {ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً ١٢}

  {أَيُ} يتضمن معنى الاستفهام، فعلق عنه {لِنَعْلَمَ} فلم يعمل فيه. وقرئ، ليعلم، وهو معلق عنه أيضا، لأن ارتفاعه بالابتداء لا بإسناد «يعلم» إليه، وفاعل «يعلم» مضمون الجملة، كما أنه مفعول «نعلم» {أَيُّ الْحِزْبَيْنِ} المختلفين منهم في مدّة لبثهم، لأنهم لما انتبهوا اختلفوا في ذلك، وذلك قوله {قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ} وكان الذين قالوا ربكم أعلم بما لبثتم: هم الذين علموا أن لبثهم قد تطاول. أو أى الحزبين المختلفين من غيرهم، و {أَحْصى} فعل ماض أى أيهم ضبط {أَمَداً} لأوقات لبثهم. فإن قلت: فما تقول فيمن جعله من أفعل التفضيل؟ قلت: ليس بالوجه السديد، وذلك أن بناءه من غير الثلاثي المجرّد ليس بقياس، ونحو «أعدى من الجرب»، و «أفلس من ابن المذلق» شاذ. والقياس على الشاذ في غير القرآن ممتنع، فكيف به؟ ولأن {أَمَداً} لا يخلو: إما أن ينتصب بأفعل فأفعل لا يعمل. وإما أن ينصب بلبثوا، فلا يسدّ عليه المعنى. فإن زعمت أنى