الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الكهف

صفحة 713 - الجزء 2

  والسابع: الراعي الذي وافقهم حين هربوا من ملكهم دقيانوس. واسم مدينتهم: أفسوس. واسم كلبهم: قطمير. فإن قلت: لم جاء بسين الاستقبال في الأوّل دون الآخرين؟ قلت: فيه وجهان: أن تدخل الآخرين في حكم السين، كما تقول: قد أكرم وأنعم، تريد معنى التوقع في الفعلين جميعا، وأن تريد بيفعل معنى الاستقبال الذي هو صالح له {رَجْماً بِالْغَيْبِ} رميا بالخبر الخفي وإتيانا به كقوله {وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ} أى يأتون به. أو وضع الرجم موضع الظنّ، فكأنه قيل: ظنا بالغيب، لأنهم أكثروا أن يقولوا رجم بالظنّ مكان قولهم ظنّ، حتى لم يبق عندهم فرق بين العبارتين. ألا ترى إلى قول زهير:

  وما هو عنها بالحديث المرجّم

  أى المظنون. وقرئ: ثلاتّ رابعهم، بإدغام الثاء في تاء التأنيث. و {ثَلاثَةٌ} خبر مبتدإ محذوف، أى: هم ثلاثة. وكذلك {خَمْسَةٌ} و {سَبْعَةٌ} و {رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ} جملة من مبتدإ وخبر واقعة صفة لثلاثة، وكذلك {سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ}، {وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ}. فإن قلت: فما هذه الواو الداخلة على الجملة الثالثة، ولم دخلت عليها دون الأوّلين؟ قلت: هي الواو التي تدخل على الجملة الواقعة صفة للنكرة، كما تدخل على الواقعة حال عن المعرفة في نحو قولك: جاءني رجل ومعه آخر. ومررت بزيد وفي يده سيف. ومنه قوله تعالى: {وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ} وفائدتها تأكيد لصوق الصفة بالموصوف، والدلالة على أن اتصافه بها أمر ثابت