سورة الكهف
  مستقر، وهذه الواو هي التي آذنت بأن الذين قالوا: سبعة وثامنهم كلبهم، قالوا عن ثبات علم وطمأنينة نفس ولم يرجموا بالظن كما غيرهم. والدليل عليه أنّ الله سبحانه أتبع القولين الأولين قوله {رَجْماً بِالْغَيْبِ} وأتبع القول الثالث قوله {ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ} وقال ابن عباس رضى الله عنه: حين وقعت الواو انقطعت العدّة، أى: لم يبق بعدها عدّة عادّ يلتفت إليها. وثبت أنهم سبعة وثامنهم كلبهم على القطع والثبات. وقيل: إلا قليل من أهل الكتاب. والضمير في {سَيَقُولُونَ} على هذا لأهل الكتاب خاصة، أى: سيقول أهل الكتاب فيهم كذا وكذا، ولا علم بذلك إلا في قليل منهم، وأكثرهم على ظنّ وتخمين {فَلا تُمارِ فِيهِمْ} فلا تجادل أهل الكتاب في شأن أصحاب الكهف إلا جدالا ظاهرا غير متعمق فيه، وهو أن تقص عليهم ما أوحى الله إليك فحسب ولا تزيد، من غير تجهيل لهم ولا تعنيف بهم في الردّ عليهم، كما قال {وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}. {وَلا تَسْتَفْتِ} ولا تسأل أحدا منهم عن قصتهم سؤال متعنت له، حتى يقول شيئا فتردّه عليه وتزيف ما عنده، لأن ذلك خلاف ما وصيت به من المداراة والمجاملة، ولا سؤال مسترشد، لأن الله قد أرشدك بأن أوحى إليك قصتهم.
  {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً ٢٣ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً ٢٤}
  {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ} ولا تقولنّ لأجل شيء تعزم عليه {إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ} الشيء {غَداً} أى فيما يستقبل من الزمان، ولم يرد الغد خاصة {إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ} متعلق بالنهى لا بقوله: إنى فاعل، لأنه لو قال: إنى فاعل كذا إلا أنّ يشاء الله، كان معناه: إلا أن تعترض مشيئة الله دون فعله، وذلك مما لا مدخل فيه للنهى، وتعلقه بالنهى على وجهين، أحدهما: ولا تقولنّ ذلك القول إلا أن يشاء الله أن تقوله، بأن يأذن لك فيه. والثاني: ولا تقولنه إلا بأن يشاء الله، أى: إلا بمشيئة الله، وهو في موضع الحال، يعنى: إلا ملتبسا بمشيئة الله قائلا: