الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة طه

صفحة 79 - الجزء 3

  وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى ٨٠ كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى ٨١}

  {يا بَنِي إِسْرائِيلَ} خطاب لهم بعد إنجائهم من البحر وإهلاك آل فرعون. وقيل: هو للذين كانوا منهم في عهد رسول الله ÷ منّ الله عليهم بما فعل بآبائهم والوجه هو الأوّل، أى: قلنا يا بنى إسرائيل، وحذف القول كثير في القرآن. وقرئ «أنجيتكم» إلى «رزقتكم»، وعلى لفظ الوعد والمواعدة. وقرئ {الْأَيْمَنَ} بالجر على الجوار، نحو «جحر ضب خرب». ذكرهم النعمة في نجاتهم وهلاك عدوهم، وفيما واعد موسى ~ من المناجاة بجانب الطور، وكتب التوراة في الألواح. وإنما عدى المواعدة إليهم لأنها لا بستهم واتصلت بهم حيث كانت لنبيهم ونقبائهم، وإليهم رجعت منافعها التي قام بها دينهم وشرعهم، وفيما أفاض عليهم من سائر نعمه وأرزاقه. طغيانهم في النعمة: أن يتعدّوا حدود الله فيها بأن يكّفروها ويشغلهم اللهو والتنعم عن القيام بشكرها، وأن ينفقوها في المعاصي: وأن يزووا حقوق الفقراء فيها، وأن يسرفوا في إنفاقها، وأن يبطروا فيها ويأشروا ويتكبروا. قرئ {فَيَحِلَ} وعن عبد الله: لا يحلن {وَمَنْ يَحْلِلْ} المكسور في معنى الوجوب، من حل الدين يحل إذا وجب أداؤه. ومنه قوله تعالى {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} والمضموم في معنى النزول. وغضب الله عقوباته ولذلك وصف بالنزول {هَوى} هلك. وأصله أن يسقط من جبل فيهلك. قالت:

  هوى من رأس مرقبة ... ففتّت تحتها كبده