الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الفرقان

صفحة 293 - الجزء 3

  يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ} وقيل: الإسراف إنما هو الإنفاق في المعاصي، فأما في القرب فلا إسراف. وسمع رجل رجلا يقول: لا خير في الإسراف. فقال: لا إسراف في الخير. وعن عمر بن عبد العزيز ¥ أنه شكر عبد الملك بن مروان حين زوّجه ابنته وأحسن إليه، فقال: وصلت الرحم وفعلت وصنعت، وجاء بكلام حسن، فقال ابن لعبد الملك: إنما هو كلام أعدّه لهذا المقام، فلما كان بعد أيام دخل عليه والابن حاضر، فسأله عن نفقته وأحواله فقال: الحسنة بين السيئتين، فعرف عبد الملك أنه أراد ما في هذه الآية فقال لابنه: يا بنىّ، أهذا أيضا مما أعدّه؟ وقيل: أولئك أصحاب محمد ÷، كانوا لا يأكلون طعاما للتنعم واللذة، ولا يلبسون ثوبا للجمال والزينة، ولكن كانوا يأكلون ما يسدّ جوعتهم ويعينهم على عبادة ربهم، ويلبسون ما يستر عوراتهم ويكنهم من الحرّ والقرّ. وقال عمر رضى الله عنه: كفى سرفا أن لا يشتهى رجل شيئا إلا اشتراه فأكله. والقوام: العدل بين الشيئين لاستقامة الطرفين واعتدالهما. ونظير القوام من الاستقامة: السواء من الاستواء. وقرئ: قواما، بالكسر، وهو ما يقام به الشيء. يقال: أنت قوامنا، بمعنى ما تقام به الحاجة لا يفضل عنها ولا ينقص، والمنصوبان أعنى {بَيْنَ ذلِكَ قَواماً}: جائز أن يكونا خبرين معا، وأن يجعل بين ذلك لغوا، وقواما مستقرا. وأن يكون الظرف خبرا، وقواما حالا مؤكدة. وأجاز الفراء أن يكون {بَيْنَ ذلِكَ} اسم كان، على أنه مبنى لإضافته إلى غير متمكن، كقوله:

  لم يمنع الشّرب منها غير أن نطقت

  وهو من جهة الإعراب لا بأس به، ولكن المعنى ليس بقوى؛ لأنّ ما بين الإسراف والتقتير قوام لا محالة، فليس في الخبر الذي هو معتمد الفائدة فائدة.

  {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً ٦٨ يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً ٦٩ إِلاَّ مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً ٧٠}