الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الشعراء

صفحة 324 - الجزء 3

  لكم وفيما أدعوكم إليه من الحق {عَلَيْهِ} على هذا الأمر، وعلى ما أنا فيه، يعنى: دعاءه ونصحه ومعنى {فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ}: فاتقوا الله في طاعتي، وكرره ليؤكده عليهم ويقرّره في نفوسهم، مع تعليق كل واحدة منهما بعلة، جعل علة الأوّل كونه أمينا فيما بينهم، وفي الثاني حسم طمعه عنهم.

  {قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ ١١١}

  وقرئ: وأتباعك، جمع تابع، كشاهد وأشهاد. أو جمع تبع، كبطل وأبطال. والواو للحال. وحقها أن يضمر بعدها «قد» في: واتبعك. وقد جمع الأرذل على الصحة وعلى التكسير في قوله {الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا} والرذالة والنذالة: الخسة والدناءة. وإنما استرذلوهم لا تضاع نسبهم وقلة نصيبهم من الدنيا. وقيل كانوا من أهل الصناعات الدنية كالحياكة والحجامة. والصناعة لا تزري بالديانة، وهكذا كانت قريش تقول في أصحاب رسول الله ÷، وما زالت أتباع الأنبياء كذلك، حتى صارت من سماتهم وأماراتهم. ألا ترى إلى هرقل حين سأل أبا سفيان عن أتباع رسول الله ÷، فلما قال: ضعفاء الناس وأراذلهم قال: ما زالت أتباع الأنبياء كذلك. وعن ابن عباس ®: هم الغاغة. وعن عكرمة: الحاكة والأساكفة. وعن مقاتل: السفلة.

  {قالَ وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ ١١٢ إِنْ حِسابُهُمْ إِلاَّ عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ ١١٣ وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ ١١٤ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ ١١٥}

  {وَما عِلْمِي} وأى شيء علمى؟ والمراد: انتفاء علمه بإخلاص أعمالهم لله واطلاعه على سر أمرهم وباطنه. وإنما قال هذا لأنهم قد طعنوا - مع استرذالهم - في إيمانهم، وأنهم لم يؤمنوا عن نظر وبصيرة، وإنما آمنوا هوى وبديهة، كما حكى الله عنهم في قوله {الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ} ويجوز أن يتغابى لهم نوح #. فيفسر قولهم الأرذلين، بما هو الرذالة عنده، من سوء الأعمال وفساد العقائد، ولا يلتفت إلى ما هو الرذالة عندهم، ثم يبنى جوابه على ذلك فيقول: ما علىّ إلا اعتبار الظواهر، دون التفتيش عن أسرارهم والشق عن قلوبهم، وإن كان لهم عمل سيئ، فالله محاسبهم ومجازيهم عليه، وما أنا إلا منذر لا محاسب ولا مجاز {لَوْ تَشْعُرُونَ} ذلك، ولكنكم تجهلون فتنساقون مع الجهل حيث سيركم، وقصد بذلك ردّ اعتقادهم وإنكار