الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة لقمان

صفحة 503 - الجزء 3

  {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ٣١}

  قرئ: الفلك، بضم اللام. وكل فعل: يجوز فيه فعل، كما يجوز في كل فعل فعل، على مذهب التعويض. وبنعمات الله: بسكون العين. وعين فعلات يجوز فيها الفتح والكسر والسكون {بِنِعْمَتِ اللهِ} بإحسانه ورحمته {صَبَّارٍ} على بلائه {شَكُورٍ} لنعمائه، وهما صفتا المؤمن، فكأنه قال: إنّ في ذلك لآيات لكل مؤمن.

  {وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ ٣٢}

  يرتفع الموج ويتراكب، فيعود مثل الظلل، والظلة: كل ما أظلك من جبل أو سحاب أو غيرهما وقرئ: كالظلال، جمع ظلة، كقلة وقلال {فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ} متوسط في الكفر والظلم، خفض من غلوائه، وانزجر بعض الانزجار. أو مقتصد في الإخلاص الذي كان عليه في البحر، يعنى أنّ ذلك الإخلاص الحادث عند الخوف، لا يبقى لأحد قط، والمقتصد قليل نادر. وقيل: مؤمن قد ثبت على ما عاهد عليه الله في البحر. والختر: أشدّ الغدر. ومنه قولهم: إنك لا تمدّ لنا شبرا من غدر إلا مددنا لك باعا من ختر، قال:

  وإنّك لو رأيت أبا عمير ... ملأت يديك من غدر وختر

  {يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ ٣٣}

  {لا يَجْزِي} لا يقضى عنه شيئا. ومنه قيل للمتقاضى: المتجازى. وفي الحديث في جذعة