الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الأحزاب

صفحة 533 - الجزء 3

  المنافقون، كأنهم قصدوا عاقبة السوء وأرادوها بتبديلهم، كما قصد الصادقون عاقبة الصدق بوفائهم لأنّ كلا الفريقين مسوق إلى عاقبته من الثواب والعقاب، فكأنهما استويا في طلبهما والسعى لتحصيلهما. ويعذبهم {إِنْ شاءَ} إذا لم يتوبوا {أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} إذا تابوا {وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا} الأحزاب {بِغَيْظِهِمْ} مغيظين، كقوله {تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ}. {لَمْ يَنالُوا خَيْراً} غير ظافرين، وهما حالان بتداخل أو تعاقب. ويجوز أن تكون الثانية بيانا للأولى أو استئنافا {وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ} بالريح والملائكة {وَأَنْزَلَ الَّذِينَ} ظاهروا الأحزاب من أهل الكتاب {مِنْ صَياصِيهِمْ} من حصونهم. والصيصية ما تحصن به، يقال لقرن الثور والظبى: صيصية، ولشوكة الديك، وهي مخلبه التي في ساقه، لأنه يتحصن بها. روى أنّ جبريل # أتى رسول الله ÷ - صبيحة الليلة التي انهزم فيها الأحزاب ورجع المسلمون إلى المدينة ووضعوا سلاحهم - على فرسه الحيزوم والغبار على وجه الفرس وعلى السرج، فقال: ما هذا يا جبريل؟ قال: من متابعة قريش: فجعل رسول الله ÷ يمسح الغبار عن وجه الفرس وعن السرج، فقال: يا رسول الله، إن الملائكة لم تضع السلاح، إن الله يأمرك بالمسير إلى بنى قريظة وأنا عامد إليهم، فإن الله داقهم دق البيض على الصفا، وإنهم لكم طعمة فأذن في الناس: أن من كان سامعا مطيعا فلا يصلى العصر إلا في بنى قريظة، فما صلى كثير من الناس العصر إلا بعد العشاء الآخرة، لقول رسول الله ÷، فحاصرهم خمسا وعشرين ليلة حتى جهدهم الحصار، فقال لهم رسول الله ÷: تنزلون على حكمى؟ فأبوا، فقال: على حكم سعد بن معاذ؟ فرضوا به، فقال سعد: حكمت فيهم أن تقتل مقاتلهم وتسبى ذراريهم ونساؤهم، فكبر النبي ÷ وقال: «لقد حكمت بحكم الله من فوق سبعة أرقعة» ثم استزلهم وخندق في سوق المدينة خندقا، وقدمهم فضرب أعناقهم وهم من ثمانمائة إلى تسعمائة وقيل كانوا ستمائة مقاتل وسبعمائة أسير. وقرئ: الرعب، بسكون