الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة يس

صفحة 19 - الجزء 4

  {وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ٤٥ وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ ٤٦}

  {اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ} كقوله تعالى {أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ} وعن مجاهد: ما تقدّم من ذنوبكم وما تأخر. وعن قتادة: ما بين أيديكم من الوقائع التي خلت، يعنى من مثل الوقائع التي ابتليت بها الأمم المكذبة بأنبيائها، وما خلفكم من أمر الساعة {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} لتكونوا على رجاء رحمة الله. وجواب إذا محذوف مدلول عليه بقوله {إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ} فكأنه قال: وإذا قيل لهم اتقوا أعرضوا. ثم قال: ودأبهم الإعراض عند كل آية وموعظة.

  {وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ٤٧}

  كانت الزنادقة منهم يسمعون المؤمنين يعلقون أفعال الله تعالى بمشيئته فيقولون: لو شاء الله لأغنى فلانا، ولو شاء لأعزه، ولو شاء لكان كذا، فأخرجوا هذا الجواب مخرج الاستهزاء بالمؤمنين وبما كانوا يقولونه من تعليق الأمور بمشيئة الله. ومعناه: أنطعم المقول فيه هذا القول بينكم، وذلك أنهم كانوا دافعين أن يكون الغنى والفقر من الله، لأنهم معطلة لا يؤمنون بالصانع: وعن ابن عباس ®: كان بمكة زنادقة، فإذا أمروا بالصدقة على المساكين قالوا: لا والله، أيفقره الله ونطعمه نحن؟ وقيل: كانوا يوهمون أن الله تعالى لما كان قادرا على إطعامه ولا يشاء إطعامه فنحن أحق بذلك. نزلت في مشركي قريش حين قال فقراء أصحاب رسول الله ÷: أعطونا مما زعمتم من أموالكم أنها لله، يعنون قوله {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً}، فحرموهم وقالوا: لو شاء الله لأطعمكم.

  {وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ٤٨ ما يَنْظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ ٤٩ فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ ٥٠}

  {إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} قول الله لهم. أو حكاية قول المؤمنين لهم. أو هو من جملة جوابهم للمؤمنين. قرئ: وهم يخصمون بإدغام التاء في الصاد مع فتح الخاء وكسرها، وإتباع الياء الخاء في الكسر. ويختصمون على الأصل. ويخصمون، من خصمه. والمعنى: أنها تبغتهم