الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة يس

صفحة 20 - الجزء 4

  وهم في أمنهم وغفلتهم عنها، لا يخطرونها ببالهم مشتغلين بخصوماتهم في متاجرهم ومعاملاتهم وسائر ما يتخاصمون فيه ويتشاجرون. ومعنى خصمون: يخصم بعضهم بعضا. وقيل: تأخذهم وهم عند أنفسهم يخصمون في الحجة في أنهم لا يبعثون {فَلا يَسْتَطِيعُونَ} أن يوصوا في شيء من أمورهم {تَوْصِيَةً} ولا يقدرون على الرجوع إلى منازلهم وأهاليهم، بل يموتون بحيث تفجؤهم الصيحة.

  {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ ٥١ قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ٥٢}

  قرئ الصور، بسكون الواو وهو القرن، أو جمع صورة، وحرّكها بعضهم. و {الْأَجْداثِ} القبور. وقرئ بالفاء {يَنْسِلُونَ} يعدون بكسر السين وضمها، وهي النفخة الثانية. قرئ: يا ويلتنا. وعن ابن مسعود رضى الله عنه: من أهبنا، من هب من نومه إذا انتبه، وأهبه غيره وقرئ: من هبنا بمعنى أهبنا: وعن بعضهم: أراد هب بنا، فحذف الجار وأوصل الفعل: وقرئ: من بعثنا، ومن هبنا، على من الجارة والمصدر، و {هذا} مبتدأ، و {ما وَعَدَ} خبره، وما مصدرية أو موصولة. ويجوز أن يكون هذا صفة للمرقد، وما وعد: خبر مبتدإ محذوف، أى: هذا وعد الرحمن، أى: مبتدأ محذوف الخبر، أى ما وعد {الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} حق. وعن مجاهد: للكفار هجعة يجدون فيها طعم النوم، فإذا صيح بأهل القبور قالوا: من بعثنا، وأما {هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ} فكلام الملائكة. عن ابن عباس. وعن الحسن: كلام المتقين. وقيل: كلام الكافرين يتذكرون ما سمعوه من الرسل فيجيبون به أنفسهم أو بعضهم بعضا. فإن قلت: إذا جعلت {ما} مصدرية: كان المعنى: هذا وعد الرحمن وصدق المرسلين، على تسمية الموعود والمصدوق فيه بالوعد والصدق، فما وجه قوله {وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} إذا جعلتها موصولة؟ قلت: تقديره: هذا الذي وعده الرحمن والذي صدّقه المرسلون، بمعنى: والذي صدق فيه المرسلون، من قولهم: صدقوهم الحديث والقتال. ومنه صدقنى سن بكره. فإن قلت: {مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا}؟ سؤال عن الباعث، فكيف طابقه ذلك جوابا؟ قلت: معناه بعثكم الرحمن الذي وعدكم البعث وأنبأكم به الرسل، إلا أنه جيء به على طريقة: سيئت بها قلوبهم، ونعيت إليهم أحوالهم، وذكروا كفرهم وتكذيبهم، وأخبروا بوقوع ما أنذروا به وكأنه قيل لهم: ليس بالبعث الذي عرفتموه وهو بعث النائم من مرقده، حتى يهمكم السؤال عن