الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة فاتحة الكتاب

صفحة 16 - الجزء 1

  صراط المسلمين؛ ليكون ذلك شهادة لصراط المسلمين بالاستقامة على أبلغ وجه وآكده، كما تقول: هل أدلك على أكرم الناس وأفضلهم؟ فلان؛ فيكون ذلك أبلغ في وصفه بالكرم والفضل من قولك: هل أدلك على فلان الأكرم الأفضل، لأنك ثنيت ذكره مجملا أوّلا، ومفصلا ثانيا، وأوقعت فلانا تفسيراً وإيضاحا للأكرم الأفضل فجعلته علما في الكرم والفضل، فكأنك قلت: من أراد رجلا جامعا للخصلتين فعليه بفلان، فهو المشخص المعين لاجتماعهما فيه غير مدافع ولا منازع. والذين أنعمت عليهم: هم المؤمنون، وأطلق الإنعام ليشمل كل إنعام؛ لأنّ من أنعم عليه بنعمة الإسلام لم تبق نعمة إلا أصابته واشتملت عليه. وعن ابن عباس: هم أصحاب موسى قبل أن يغيروا، وقيل هم الأنبياء. وقرأ ابن مسعود: (صراط من أنعمت عليهم)

  {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} بدل من الذين أنعمت عليهم، على معنى أنّ المنعم عليهم: هم الذين سلموا من غضب الله والضلال، أو صفة على معنى أنهم جمعوا بين النعمة المطلقة وهي نعمة الإيمان، وبين السلامة من غضب الله والضلال. فإن قلت: كيف صح أن يقع (غير) صفة للمعرفة وهو لا يتعرّف وإن أضيف إلى المعارف؟ قلت: {الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} لا توقيت فيه كقوله:

  وَلَقَدْ أَمُرُّ على اللَّئِيمِ يَسُبُّنى