الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الصافات

صفحة 45 - الجزء 4

  آداب المجالسة. أن لا يستبد بشيء دون جلسائه، فكأنهم مطلعوه. وقيل: الخطاب على هذا للملائكة. وقرئ: مطلعون بكسر النون، أراد: مطلعون إياى، فوضع المتصل موضع المنفصل، كقوله:

  هم الفاعلون الخير والآمرونه

  أو شبه اسم الفاعل في ذلك بالمضارع لتآخ بينهما، كأنه قال: تطلعون، وهو ضعيف لا يقع إلا في الشعر {فِي سَواءِ الْجَحِيمِ} في وسطها، يقال: تعبت حتى انقطع سوائى، وعن أبى عبيدة: قال لي عيسى بن عمر: كنت أكتب يا أبا عبيدة حتى ينقطع سوائى {إِنْ} مخففة من الثقيلة، وهي تدخل على «كاد» كما تدخل على «كان» ونحوه {إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا} واللام هي الفارقة بينها وبين النافية، والإرداء: الإهلاك. وفي قراءة عبد الله: لتغوينّ {نِعْمَةُ رَبِّي} هي العصمة والتوفيق في الاستمساك بعروة الإسلام، والبراءة من قرين السوء. أو إنعام الله بالثواب وكونه من أهل الجنة {مِنَ الْمُحْضَرِينَ} من الذين أحضروا العذاب كما أحضرته أنت وأمثالك.

  {أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ ٥٨ إِلاَّ مَوْتَتَنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ٥٩}

  الذي عطفت عليه الفاء محذوف، معناه: أنحن مخلدون منعمون، فما نحن بميتين ولا معذبين. وقرئ بمائتين. والمعنى أنّ هذه حال المؤمنين وصفتهم وما قضى الله به لهم للعلم بأعمالهم أن لا يذوقوا إلا الموتة الأولى، بخلاف الكفار، فإنهم فيما يتمنون فيه الموت كل ساعة، وقيل لبعض الحكماء: ما شر من الموت؟ قال: الذي يتمنى فيه الموت.

  {إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ٦٠ لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ ٦١}

  يقوله المؤمن تحدثا بنعمة الله واغتباطا بحاله وبمسمع من قرينه، ليكون توبيخا له يزيد به تعذبا، وليحكيه الله فيكون لنا لطفا وزاجرا. ويجوز أن يكون قولهم جميعا، وكذلك قوله {إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} أى إن هذا الأمر الذي نحن فيه. وقيل: هو من قول الله ø تقريرا لقولهم وتصديقا له. وقرئ: لهو الرزق العظيم، وهو ما رزقوه من السعادة.

  {أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ ٦٢ إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ ٦٣