الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة المؤمن

صفحة 161 - الجزء 4

  {وَلْيَدْعُ رَبَّهُ} شاهد صدق على فرط خوفه منه ومن دعوته ربه، وكان قوله {ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى} تمويها على قومه، وإيهاما أنهم هم الذين يكفونه، وما كان يكفه إلا ما في نفسه من هول الفزع {أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ} أن يغير ما أنتم عليه، وكانوا يعبدونه ويعبدون الأصنام، بدليل قوله {وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ} والفساد في الأرض: التفاتن والتهارج الذي يذهب معه الأمن وتتعطل المزارع والمكاسب والمعايش، ويهلك الناس قتلا وضياعا، كأنه قال: إنى أخاف أن يفسد عليكم دينكم بدعوتكم إلى دينه. أو يفسد عليكم دنياكم بما يظهر من الفتن بسببه. وفي مصاحف أهل الحجاز وأن يظهر بالواو، ومعناه. إنى أخاف فساد دينكم ودنياكم معا. وقرئ: يظهر، من أظهر، والفساد منصوب، أى: يظهر موسى الفساد. وقرئ يظهر، بتشديد الظاء والهاء، من تظهر بمعنى تظاهر، أى: تتابع وتعاون.

  {وَقالَ مُوسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ ٢٧} لما سمع موسى # بما أجراه فرعون من حديث قتله: قال لقومه {إِنِّي عُذْتُ} بالله الذي هو ربى وربكم، وقوله {وَرَبِّكُمْ} فيه بعث لهم على أن يقتدوا به، فيعوذوا بالله عياذه، ويعتصموا بالتوكل عليه اعتصامه، وقال {مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ} لتشمل استعاذته فرعون وغيره من الجبابرة، وليكون على طريقة التعريض، فيكون أبلغ، وأراد بالتكبر: الاستكبار عن الإذعان للحق، وهو أقبح استكبار وأدله على دناءة صاحبه ومهانة نفسه، وعلى فرط ظلمه وعسفه، وقال {لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ} لأنه إذا اجتمع في الرجل التجبر والتكذيب بالجزاء وقلة المبالاة بالعاقبة، فقد استكمل أسباب القسوة والجرأة على الله وعباده، ولم يترك عظيمة إلا ارتكبها: وعذت ولذت: أخوان. وقرئ: عت، بالإدغام.

  {وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ