سورة المؤمن
  اللفظ تارة وعلى المعنى أخرى، وله نظائر، ويجوز أن يرفع الذين يجادلون على الابتداء، ولا بدّ في هذا الوجه من حذف مضاف يرجع إليه الضمير في كبر، تقديره: جدال الذين يجادلون كبر مقتا، ويحتمل أن يكون {الَّذِينَ يُجادِلُونَ} مبتدأ، و {بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ} خبرا، وفاعل كبر قوله {كَذلِكَ} أى كبر مقتا مثل ذلك الجدال، و {يَطْبَعُ اللهُ} كلام مستأنف، ومن قال: كبر مقتا عند الله جدالهم، فقد حذف الفاعل، والفاعل لا يصح حذفه. وفي {كَبُرَ مَقْتاً} ضرب من التعجب والاستعظام لجدالهم، والشهادة على خروجه من حد إشكاله من الكبائر. وقرئ: سلطان بضم اللام. وقرئ: قلب، بالتنوين. ووصف القلب بالتكبر والتجبر، لأنه مركزهما ومنبعهما، كما تقول: رأت العين، وسمعت الأذن. ونحوه قوله ø {فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} وإن كان الآثم هو الجملة. ويجوز أن يكون على حذف المضاف. أى: على كل ذى قلب متكبر، تجعل الصفة لصاحب القلب.
  {وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ ٣٦ أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبابٍ ٣٧}
  قيل: الصرح: البناء الظاهر الذي لا يخفى على الناظر وإن بعد، اشتقوه من صرح الشيء إذا ظهر، و {أَسْبابَ السَّماواتِ} طرقها وأبوابها وما يؤدى إليها، وكل ما أداك إلى شيء فهو سبب إليه، كالرشاء ونحوه، فإن قلت: ما فائدة هذا التكرير؟ ولو قيل: لعلى أبلغ أسباب السماوات لأجزأ؟ قلت: إذا أبهم الشيء ثم أوضح كان تفخيما لشأنه، فلما أراد تفخيم ما أمل بلوغه من أسباب السماوات أبهمها ثم أوضحها، ولأنه لما كان بلوغها أمرا عجيبا أراد أن يورده على نفس متشوفة إليه، ليعطيه السامع حقه من التعجب، فأبهمه ليشوف إليه نفس هامان، ثم أوضحه. وقرئ: فأطلع بالنصب على جواب الترجي، تشبيها للترجى بالتمني. ومثل ذلك التزيين وذلك الصدّ {زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ} والمزين: إما الشيطان بوسوسته، كقوله تعالى {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ} أو الله تعالى على وجه التسبيب، لأنه مكن الشيطان وأمهله. ومثله {زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ} وقرئ: وزين له سوء عمله،