الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة المؤمن

صفحة 174 - الجزء 4

  يحسدك ويبغى عليك {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ} لما تقول ويقولون {الْبَصِيرُ} بما تعمل ويعملون، فهو ناصرك عليهم وعاصمك من شرهم.

  {لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ٥٧}

  فإن قلت. كيف اتصل قوله {لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} بما قبله؟ قلت: إن مجادلتهم في آيات الله كانت مشتملة على إنكار البعث، وهو أصل المجادلة ومدارها، فحجوا بخلق السماوات والأرض لأنهم كانوا مقرين بأن الله خالقها وبأنها خلق عظيم لا يقادر قدره، وخلق الناس بالقياس إليه شيء قليل مهين، فمن قدر على خلقها مع عظمها كان على خلق الإنسان مع مهانته أقدر، وهو أبلغ من الاستشهاد بخلق مثله {لا يَعْلَمُونَ} لأنهم لا ينظرون ولا يتأملون لغلبة الغفلة عليهم واتباعهم أهواءهم.

  {وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلا الْمُسِيءُ قَلِيلاً ما تَتَذَكَّرُونَ ٥٨}

  ضرب الأعمى والبصير مثلا للمحسن والمسيء. وقرئ: يتذكرون بالياء والتاء، والتاء أعم.

  {إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ ٥٩}

  {لا رَيْبَ فِيها} لا بد من مجيئها ولا محالة، وليس بمرتاب فيها، لأنه لا بد من جزاء {لا يُؤْمِنُونَ} لا يصدقون بها.