الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة المؤمن

صفحة 175 - الجزء 4

  {وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ ٦٠}

  {ادْعُونِي} اعبدوني، والدعاء بمعنى العبادة كثير في القرآن. ويدل عليه قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي} والاستجابة: الإثابة؛ وفي تفسير مجاهد: اعبدوني أثبكم. وعن الحسن - وقد سئل عنها -: اعملوا وأبشروا، فإنه حق على الله أن يستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله. وعن الثوري أنه قيل له: ادع الله، فقال. إن ترك الذنوب هو الدعاء. وفي الحديث «إذا شغل عبدى طاعتي عن الدعاء. أعطيته أفضل ما أعطى السائلين» وروى النعمان بن بشير ¥ عن رسول الله ÷: «الدعاء هو العبادة» وقرأ هذه الآية. ويجوز أن يريد الدعاء والاستجابة على ظاهرهما، ويريد بعبادتي: دعائي، لأنّ الدعاء باب من العبادة ومن أفضل أبوابها، يصدقه قول ابن عباس ®: أفضل العبادة الدعاء. وعن كعب: أعطى الله هذه الأمة ثلاث خلال لم يعطهن إلا نبيا مرسلا: كان يقول لكل نبىّ أنت شاهدي على خلقي، وقال لهذه الأمة {لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ}؛ وكان يقول: ما عليك من حرج، وقال لنا {ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} وكان يقول: ادعني أستجب لك، وقال لنا {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}. وعن ابن عباس: وحدوني أغفر لكم، وهذا تفسير للدعاء بالعبادة، ثم للعبادة بالتوحيد {داخِرِينَ} صاغرين.

  {اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ ٦١}

  {مُبْصِراً} من الإسناد المجازى، لأن الإبصار في الحقيقة لأهل النهار. فإن قلت: لم قرن الليل بالمفعول له، والنهار بالحال؟ وهلا كانا حالين أو مفعولا لهما فيراعى حق المقابلة؟ قلت: هما متقابلان من حيث المعنى، لأن كل واحد منهما يؤدى مؤدى الآخر، ولأنه لو قيل: