الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة [فصلت، وتسمى] السجدة

صفحة 194 - الجزء 4

  ألا ترى إلى البون بين قوليك: هو شاعر، وله شعر شاعر.

  {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ ١٧ وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ ١٨}

  وقرئ: ثمود، بالرفع والنصب منونا وغير منون، والرفع أفصح لوقوعه بعد حرف الابتداء. وقرئ بضم الثاء {فَهَدَيْناهُمْ} فدللناهم على طريقى الضلالة والرشد، كقوله تعالى {وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ}. {فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى} فاختاروا الدخول في الضلالة على الدخول في الرشد. فإن قلت: أليس معنى هديته: حصلت فيه الهدى، والدليل عليه قولك: هديته فاهتدى، بمعنى: تحصيل البغية وحصولها، كما تقول: ردعته فارتدع، فكيف ساغ استعماله في الدلالة المجرّدة؟ قلت: للدلالة على أنه مكنهم وأزاح عللهم ولم يبق له عذرا ولا علة، فكأنه حصل البغية فيهم بتحصيل ما يوجبها ويقتضيها {صاعِقَةُ الْعَذابِ} داهية العذاب وقارعة العذاب. و {الْهُونِ} الهوان، وصف به العذاب مبالغة. أو أبدله منه، ولو لم يكن في القرآن حجة على القدرية الذين هم مجوس هذه الأمة بشهادة نبيها ÷ - وكفى به شاهدا - إلا هذه الآية، لكفى بها حجة.