سورة [فصلت، وتسمى] السجدة
  {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ١٩ حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ ٢٠ وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ٢١}
  قرئ يحشر على البناء للمفعول. ونحشر بالنون وضم الشين وكسرها، ويحشر: على البناء للفاعل، أى: يحشر الله ø {أَعْداءُ اللهِ} الكفار من الأوّلين والآخرين {يُوزَعُونَ} أى يحبس أوّلهم على آخرهم، أى: يستوقف سوابقهم حتى يلحق بهم تواليهم، وهي عبارة عن كثرة أهل النار، نسأل الله أن يجيرنا منها بسعة رحمته: فإن قلت: {ما} في قوله {حَتَّى إِذا ما جاؤُها} ما هي؟ قلت: مزيدة للتأكيد، ومعنى التأكيد فيها: أنّ وقت مجيئهم النار لا محالة أن يكون وقت الشهادة عليهم، ولا وجه لأن يخلو منها. ومثله قوله تعالى {أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ} أى لا بدّ لوقت وقوعه من أن يكون وقت إيمانهم به شهادة الجلود بالملامسة للحرام، وما أشبه ذلك مما يفضى إليها من المحرّمات. فإن قلت: كيف تشهد عليهم أعضاؤهم وكيف تنطق؟ قلت: الله ø ينطقها كما أنطق الشجرة بأن يخلق فيها كلاما. وقيل، المراد بالجلود: الجوارح. وقيل: هي كناية عن الفروج، أراد بكل شيء: كل شيء من الحيوان، كما أراد به في قوله تعالى {وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} كل شيء من المقدورات، والمعنى: أنّ نطقنا ليس بعجب من قدرة الله الذي قدر على إنطاق كل حيوان، وعلى خلقكم وإنشائكم أوّل مرّة، وعلى إعادتكم ورجعكم إلى جزائه - وإنما قالوا لهم: {لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا} لما تعاظمهم من شهادتها وكبر عليهم من الافتضاح على ألسنة جوارحهم.
  {وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ ٢٢ وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ ٢٣}