الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الزخرف

صفحة 236 - الجزء 4

  وهو من الأيمان الحسنة البديعة، لتناسب القسم والمقسم عليه، وكونهما من واد واحد. ونظيره قول أبى تمام:

  وثناياك إنّها إغريض

  {الْمُبِينِ} البين للذين أنزل عليهم، لأنه بلغتهم وأساليبهم. وقيل: الواضح للمتدبرين. وقيل {الْمُبِينِ} الذي أبان طرق الهدى من طرق الضلالة، وأبان ما تحتاج إليه الأمة في أبواب الديانة {جَعَلْناهُ} بمعنى صيرناه معدّى إلى مفعولين. أو بمعنى خلقناه معدّى إلى واحد، كقوله تعالى {وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ}. و {قُرْآناً عَرَبِيًّا} حال. ولعلّ: مستعار لمعنى الإرادة، لتلاحظ معناها ومعنى الترجي، أى: خلقناه عربيا غير عجمى: إرادة أن تعقله العرب، ولئلا يقولوا لو لا فصلت آياته، وقرئ: أمّ الكتاب بالكسر وهو اللوح، كقوله تعالى {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} سمى بأم الكتاب، لأنه الأصل الذي أثبتت فيه الكتب منه تنقل وتستنسخ. على رفيع الشأن في الكتب، لكونه معجزا من بينها {حَكِيمٌ} ذو حكمة بالغة، أى: منزلته عندنا منزلة كتاب هما صفتاه، وهو مثبت في أم الكتاب هكذا.

  {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ ٥}