سورة الحجرات
  أى: لا تجهروا له جهرا مثل جهر بعضكم لبعض. وفي هذا: أنهم لم ينهوا عن الجهر مطلقا، حتى لا يسوغ لهم أن يكلموه إلا بالهمس والمخافتة، وإنما نهوا عن جهر مخصوص مقيد بصفة، أعنى: الجهر المنعوت بمماثلة ما قد اعتادوه منهم فيما بينهم، وهو الخلو من مراعاة أبهة النبوّة وجلالة مقدارها، وانحطاط سائر الرتب وإن جلت عن رتبتها {أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ} منصوب الموضع، على أنه مفعول له، وفي متعلقه وجهان، أحدهما: أن يتعلق بمعنى النهى، فيكون المعنى: انتهوا عما نهيتم عنه لحبوط أعمالكم، أى: لخشية حبوطها على تقدير حذف المضاف، كقوله تعالى {يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} والثاني: أن يتعلق بنفس الفعل، ويكون المعنى: أنهم نهوا عن الفعل الذي فعلوه لأجل الحبوط، لأنه لما كان بصدد الأداء إلى الحبوط: جعل كأنه فعل لأجله، وكأنه العلة والسبب في إيجاده على سبيل التمثيل، كقوله تعالى {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا}. فإن قلت: لخص الفرق بين الوجهين. قلت: تلخيصه أن يقدر الفعل في الثاني مضموما إليه المفعول له، كأنهما شيء واحد، ثم يصب النهى عليهما جميعا صبا. وفي الأوّل يقدر النهى