الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الحجرات

صفحة 369 - الجزء 4

  أن يكن، فعسى على هذه القراءة هي ذات الخبر كالتي في قوله تعالى {فَهَلْ عَسَيْتُمْ} وعلى الأولى التي لا خبر لها كقوله تعالى {وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً}. واللمز: الطعن والضرب باللسان. وقرئ: ولا تلمزوا - بالضم. والمعنى: وخصوا أيها المؤمنون أنفسكم بالانتهاء عن عيبها والطعن فيها، ولا عليكم أن تعيبوا غيركم ممن لا يدين بدينكم ولا يسير بسيرتكم، ففي الحديث عن رسول الله ÷: «اذكروا الفاجر بما فيه كى يحذره الناس» وعن الحسن ¥ في ذكر الحجاج: أخرج إلى بنانا قصيرة قلما عرقت فيها الأعنة في سبيل الله ثم جعل يطبطب شعيرات له ويقول: يا أبا سعيد يا أبا سعيد، وقال لما مات: اللهم أنت أمته فاقطع سنته، فإنه أتانا أخيفش أعيمش يخطر في مشيته ويصعد المنبر حتى تفوته الصلاة، لا من الله يتقى ولا من الناس يستحى: فوقه الله وتحته مائة ألف أو يزيدون، لا يقول له قائل: الصلاة أيها الرجل الصلاة أيها الرجل، هيهات دون ذلك السيف والسوط. وقيل: معناه لا يعب بعضكم بعضا، لأنّ المؤمنين كنفس واحدة، فمتى عاب المؤمن المؤمن فكأنما عاب نفسه. وقيل: معناه لا تفعلوا ما تلمزون به، لأن من فعل ما استحق به اللمز فقد لمز نفسه حقيقة. والتنابز بالألقاب: التداعي بها: تفاعل من نبزه، وبنو فلان يتنابزون ويتنازبون ويقال: النبز والنزب: لقب السوء والتلقيب المنهي عنه، وهو ما يتداخل المدعوّ به كراهة لكونه تقصيرا به وذمّا له وشينا، فأما ما يحبه مما يزينه وينوّه به فلا بأس به. روى عن النبي ÷: «من حق المؤمن على أخيه أن يسميه بأحب أسمائه إليه» ولهذا كانت التكنية من السنة والأدب الحسن.