الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الذاريات

صفحة 397 - الجزء 4

  وكذلك يصدر إفكهم عن القول المختلف. وقرأ سعيد بن جبير: يؤفك عنه من أفك، على البناء للفاعل. أى: من أفك الناس عنه وهم قريش، وذلك أنّ الحي كانوا يبعثون الرجل ذا العقل والرأى ليسأل عن رسول الله ÷، فيقولون له: احذره، فيرجع فيخبرهم. وعن زيد بن على: يأفك عنه من أفك، أى: يصرف الناس عنه من هو مأفوك في نفسه. وعنه أيضا: يأفك عنه من أفك، أى: يصرف الناس عنه من هو أفاك كذاب. وقرئ: يؤفن عنه من أفن، أى: يحرمه من حرم، من أفن الضرع إذا نهكه حلبا.

  {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ ١٠ الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ ١١ يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ ١٢ يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ ١٣ ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ ١٤}

  {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ} دعاء عليهم، كقوله تعالى {قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ} وأصله الدعاء بالقتل والهلاك، ثم جرى مجرى: لعن وقبح. والخرّاصون: الكذابون المقدرون ما لا يصح، وهم أصحاب القول المختلف، واللام إشارة إليهم، كأنه قيل: قتل هؤلاء الخراصون. وقرئ: قتل الخراصين، أى: قتل الله {فِي غَمْرَةٍ} في جهل يغمرهم {ساهُونَ} غافلون عما أمروا به {يَسْئَلُونَ} فيقولون {أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ} أى متى يوم الجزاء. وقرئ بكسر الهمزة وهي لغة. فإن قلت: كيف وقع أيان ظرفا لليوم، وإنما تقع الأحيان ظروفا للحدثان؟ قلت: معناه: أيان وقوع يوم الدين. فإن قلت: فبم انتصب اليوم الواقع في الجواب؟ قلت: بفعل مضمر دل عليه السؤال، أى: يقع يوم هم على النار يفتنون. ويجوز أن يكون مفتوحا لإضافته إلى غير متمكن وهي الجملة. فإن قلت: فما محله مفتوحا؟ قلت: يجوز أن يكون محله نصبا بالمضمر الذي هو يقع، ورفعا على هو يوم هم على النار يفتنون. وقرأ ابن أبى عيلة بالرفع {يُفْتَنُونَ} يحرقون ويعذبون. ومنه الفتين: وهي الحرّة، لأن حجارتها كأنها محرقة {ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ} في محل الحال، أى: مقولا لهم هذا القول {هذَا} مبتدأ، و {الَّذِي} خبره، أى: هذا العذاب هو الذي {كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} ويجوز أن يكون هذا بدلا من فتنتكم، أى: ذوقوا هذا العذاب.

  {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ١٥ آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ ١٦ كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ ١٧