الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الواقعة

صفحة 456 - الجزء 4

  فما كذب نفسه فيما حدثته به. من إطاقته له وإقدامه عليه. قال زهير:

  ............. إذا ... ما اللّيث كذّب عن أقرانه صدقا

  أى: إذا وقعت لم تكن لها رجعة ولا ارتداد {خافِضَةٌ رافِعَةٌ} على: هي خافضة رافعة، ترفع أقواما وتضع آخرين: إما وصفا لها بالشدّة، لأنّ الواقعات العظام كذلك: يرتفع فيها ناس إلى مراتب ويتضع ناس، وإما لأنّ الأشقياء يحطون إلى الدركات، والسعداء يرفعون إلى الدرجات، وإما أنها تزلزل الأشياء وتزيلها عن مقارّها، فتخفض بعضا وترفع بعضا: حيث تسقط السماء كسفا وتنتثر الكواكب وتنكدر وتسير الجبال فتمرّ في الجوّ مرّ السحاب، وقرئ: خافضة رافعة بالنصب على الحال {رُجَّتِ} حرّكت تحريكا شديدا حتى ينهدم كل شيء فوقها من جبل وبناء {وَبُسَّتِ الْجِبالُ} وفتت حتى تعود كالسويق، أو سيقت من بس العنم إذا ساقها، كقوله {وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ}، {مُنْبَثًّا} متفرقا. وقرئ بالتاء أى: منقطعا. وقرئ: رجت وبست، أى: ارتجت وذهبت. وفي كلام بنت الخس: عينها هاج، وصلاها راج. وهي تمشى وتفاج. فإن قلت: بم انتصب إذا رجت؟ قلت: هو بدل من إذا وقعت. ويجوز أن ينتصب بخافضة رافعة. أى: تخفض وترفع وقت رج الأرض، وبس الجبال لأنه عند ذلك ينخفض ما هو مرتفع ويرتفع ما هو منخفض {أَزْواجاً} أصنافا، يقال للأصناف التي بعضها مع بعض أو يذكر بعضها مع بعض: أزواج.

  {فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ٨ وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ٩}

  {فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ} الذين يؤتون صحائفهم بأيمانهم {وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ} الذين يؤتونها بشمائلهم. أو أصحاب المنزلة السنية وأصحاب المنزلة الدنية، من قولك: فلان منى باليمين، فلان منى بالشمال: إذا وصفتهما بالرفعة عندك والضعة، وذلك لتيمنهم بالميامن وتشاؤمهم بالشمائل،