الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الواقعة

صفحة 459 - الجزء 4

  قلت: هذا في السابقين وذلك في أصحاب اليمين، وأنهم يتكاثرون من الأولين والآخرين جميعا. فإن قلت: فقد روى أنها لما نزلت شق ذلك على المسلمين، فما زال رسول الله ÷ يراجع ربه حتى نزلت {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ}. قلت: هذا لا يصح لأمرين، أحدهما: أنّ هذه الآية واردة في السابقين ورودا ظاهرا، وكذلك الثانية في أصحاب اليمين. ألا ترى كيف عطف أصحاب اليمين ووعدهم، على السابقين ووعدهم، والثاني: أنّ النسخ في الأخبار غير جائز. وعن الحسن رضى الله عنه: سابقو الأمم أكثر من سابقي أمّتنا، وتابعو الأمم مثل تابعي هذه الأمّة. وثلة: خبر مبتدإ محذوف، أى: هم ثلة {مَوْضُونَةٍ} مرمولة بالذهب، مشبكة بالدرّ والياقوت، قد دوخل بعضها في بعض كما توضن حلق الدرع. قال الأعشى:

  ومن نسج داود موضونة

  وقيل: متواصلة، أدنى بعضها من بعض. {مُتَّكِئِينَ} حال من الضمير في على، وهو العامل فيها، أى: استقرّوا عليها متكئين {مُتَقابِلِينَ} لا ينظر بعضهم في أقفاء بعض. وصفوا بحسن العشرة وتهذيب الأخلاق والآداب {مُخَلَّدُونَ} مبقون أبدا على شكل الولدان وحدّ الوصافة، لا يتحوّلون عنه. وقيل: مقرّطون، والخلدة: القرط. وقيل: هم أولاد أهل الدنيا: لم تكن لهم حسنات فيثابوا عليها، ولا سيئات فيعاقبوا عليها. روى عن على ¥ وعن الحسن. وفي الحديث: «أولاد الكفار خدّام أهل الجنة». الأكواب: أوان بلا عرى وخراطيم،