الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الواقعة

صفحة 458 - الجزء 4

  والمعنى: أى شيء هم؟ والسابقون السابقون، يريد: والسابقون من عرفت حالهم وبلغك وصفهم، كقوله وعبد الله عبد الله. وقول أبى النجم: وشعري شعري، كأنه قال: وشعري ما انتهى إليك وسمعت بفصاحته وبراعته، وقد جعل السابقون تأكيدا. وأولئك المقرّبون: خبرا وليس بذاك. ووقف بعضهم على: والسابقون، وابتدأ السابقون أولئك المقرّبون، والصواب أن يوقف على الثاني، لأنه تمام الجملة، وهو في مقابلة: ما أصحاب الميمنة، وما أصحاب المشأمة {الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} الذين قربت درجاتهم في الجنة من العرش وأعليت مراتبهم. وقرئ: في جنة النعيم. والثلة: الأمة من الناس الكثيرة. قال:

  وجاءت إليهم ثلّة خندفيّة ... بجيش كتيّار من السّيل مزبد

  وقوله ø {وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ} كفى به دليلا على الكثرة، وهي من الثل وهو الكسر، كما أنّ الأمّة من الأمّ وهو الشج، كأنها جماعة كسرت من الناس وقطعت منهم. والمعنى: أنّ السابقين من الأوّلين كثير، وهم الأمم من لدن آدم # إلى محمد ÷ {وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ} وهم أمّة محمد ÷. وقيل {مِنَ الْأَوَّلِينَ} من متقدّمى هذه الأمة، و {مِنَ الْآخِرِينَ} من متأخريها. وعن النبي ÷: «الثلثان جميعا من أمّتى». فإن قلت: كيف قال: وقليل من الآخرين، ثم قال: {وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ