الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الواقعة

صفحة 467 - الجزء 4

  وحذفه «لم أر» فإذن حذفها اختصار لفظي وهي ثابتة في المعنى، فاستوى الموضعان بلا فرق بينهما، على أن تقدّم ذكرها والمسافة قصيرة مغن عن ذكرها ثانية ونائب عنه. ويجوز أن يقال: إنّ هذه اللام مفيدة معنى التوكيد لا محالة، فأدخلت في آية المطعوم دون آية المشروب، للدلالة على أن أمر المطعوم مقدّم على أمر المشروب، وأن الوعيد بفقده أشد وأصعب، من قبل أن المشروب إنما يحتاج إليه تبعا للمطعوم. ألا ترى أنك إنما تسقى ضيفك بعد أن تطعمه، ولو عكست قعدت تحت قول أبى العلاء:

  إذا سقيت ضيوف النّاس محضا ... سقوا أضيافهم شبما زلالا

  وسقى بعض العرب فقال: أنا لا أشرب إلا على ثميلة، ولهذا قدّمت آية المطعوم على آية المشروب.

  {أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ ٧١ أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ ٧٢ نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ ٧٣ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ٧٤}

  {تُورُونَ} تقدحونها وتستخرجونها من الزناد والعرب تقدح بعودين تحك أحدهما على الآخر، ويسمون الأعلى: الزند، والأسفل: الزندة، شبهوهما بالفحل والطروقة {شَجَرَتَها} التي منها الزناد {تَذْكِرَةً} تذكيرا لنار جهنم، حيث علقنا بها أسباب المعايش كلها، وعممنا بالحاجة إليها البلوى لتكون حاضرة للناس ينظرون إليها ويذكرون ما أو عدوا به. أو جعلناها تذكرة وأنموذجا من جهنم، لما روى عن رسول الله ÷: «ناركم هذه التي يوقد بنو آدم جزء من سبعين جزأ من حرّ جهنم» {وَمَتاعاً} ومنفعة {لِلْمُقْوِينَ} للذين ينزلون القواء وهي القفر. أو للذين خلت بطونهم أو مزاودهم من الطعام. يقال: أقويت من