سورة الصف
  وبإيمانهم، هذا من أفصح كلام وأبلغه في معناه قصد في {كَبُرَ} التعجب من غير لفظه كقوله:
  غلت ناب كليب بواؤها
  ومعنى التعجب: تعظيم الأمر في قلوب السامعين، لأن التعجب لا يكون إلا من شيء خارج عن نظائره وأشكاله، وأسند إلى أن تقولوا. ونصب {مَقْتاً} على تفسيره، دلالة على أنّ قولهم ما لا يفعلون مقت خالص لا شوب فيه، لفرط تمكن المقت منه، واختير لفظ المقت لأنه أشد البغض وأبلغه. ومنه قيل: نكاح المقت، للعقد على الرابة، ولم يقتصر على أن جعل البغض كبيرا، حتى جعل أشده وأفحشه. و {عِنْدَ اللهِ} أبلغ من ذلك، لأنه إذا ثبت كبر مقته عند الله فقد تم كبره وشدته وانزاحت عنه الشكوك. وعن بعض السلف أنه قيل له: حدّثنا، فسكت ثم قيل له حدثنا، فقال: تأمروننى أن أقول ما لا أفعل فاستعجل مقت الله. في قوله {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ} عقيب ذكر مقت المخلف: دليل على أن المقت قد تعلق بقول الذين وعدوا الثبات في قتال الكفار فلم يفوا. وقرأ زيد بن على: يقاتلون بفتح التاء. وقرئ: يقتلون {صَفًّا} صافين أنفسهم أو مصفوفين {كَأَنَّهُمْ} في تراصهم من غير فرجة ولا خلل {بُنْيانٌ} رص بعضه إلى بعض ورصف. وقيل: يجوز أن يريد استواء نياتهم في الثبات حتى يكونوا في اجتماع الكلمة كالبنيان المرصوص. وعن بعضهم: فيه دليل على فضل القتال راجلا، لأن الفرسان لا يصطفون على هذه الصفة. وقوله {صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ} حالان متداخلتان.