الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الطلاق

صفحة 555 - الجزء 4

  فيحل إخراجهنّ لبذائهنّ، وتؤكده قراءة أبىّ: إلا أن يفحشن عليكم. وقيل: خروجها قبل انقضاء العدة فاحشة في نفسه. الأمر الذي يحدثه الله: أن يقلب قلبه من بغضها إلى محبتها، ومن الرغبة عنها إلى الرغبة فيها. ومن عزيمة الطلاق إلى الندم عليه فيراجعها. والمعنى: فطلقوهنّ لعدتهن وأحصوا العدة، لعلكم ترغبون وتندمون فتراجعون {فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَ} وهو آخر العدة وشارفنه، فأنتم بالخيار: إن شئتم فالرجعة والإمساك بالمعروف والإحسان، وإن شئتم فترك الرجعة والمفارقة واتقاء الضرار وهو أن يراجعها في آخر عدتها ثم يطلقها تطويلا للعدة عليها وتعذيبا لها {وَأَشْهِدُوا} يعنى عند الرجعة والفرقة جميعا. وهذا الإشهاد مندوب إليه عند أبى حنيفة كقوله {وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ} وعند الشافعي: هو واجب في الرجعة مندوب إليه في الفرقة. وقيل: فائدة الإشهاد أن لا يقع بينهما التجاحد، وأن لا يتهم في إمساكها، ولئلا يموت أحدهما فيدعى الباقي ثبوت الزوجية ليرث {مِنْكُمْ} قال الحسن: من المسلمين. وعن قتادة: من أحراركم {لِلَّهِ} لوجهه خالصا، وذلك أن تقيموها لا للمشهود له ولا للمشهود عليه، ولا لغرض من الأغراض سوى إقامة الحق ودفع الظلم، كقوله تعالى {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ} أى {ذلِكُمْ} الحث على إقامة الشهادة لوجه الله ولأجل القيام بالقسط {يُوعَظُ بِهِ ...... وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ} يجوز أن تكون جملة اعتراضية مؤكدة لما سبق من إجراء أمر الطلاق على السنة، وطريقه الأحسن والأبعد من الندم، ويكون المعنى: ومن يتق الله فطلق للسنة ولم يضار المعتدة ولم يخرجها من مسكنها واحتاط فأشهد {يَجْعَلْ} الله {لَهُ مَخْرَجاً} مما في شأن الأزواج من الغموم والوقوع في المضايق، ويفرج عنه وينفس ويعطه الخلاص {وَيَرْزُقْهُ} من وجه لا يخطره بباله ولا يحتسبه إن أو في المهر وأدى الحقوق والنفقات وقل ماله. وعن النبي ÷ أنه سئل عمن طلق ثلاثا أو ألفا، هل له من مخرج؟ فتلاها. وعن ابن عباس أنه سئل عن ذلك فقال: لم تتق الله فلم يجعل لك مخرجا، بانت منك بثلاث والزيادة إثم في عنقك. ويجوز أن يجاء بها على سبيل الاستطراد عند ذكر قوله {ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ} يعنى: ومن يتق الله يجعل له مخرجا ومخلصا من غموم الدنيا والآخرة. وعن النبي ÷ أنه قرأها فقال: مخرجا من شبهات الدنيا ومن غمرات الموت ومن شدائد