الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة ن

صفحة 585 - الجزء 4

  ومحله النصب على الحال، كأنه قال: ما أنت بمجنون منعما عليك بذلك، ولم تمنع الباء أن يعمل مجنون فيما قبله، لأنها زائدة لتأكيد النفي. والمعنى، استبعاد ما كان ينسبه إليه كفار مكة عداوة وحسدا، وأنه من إنعام الله عليه بحصافة العقل والشهامة التي يقتضيها التأهيل للنبوّة، بمنزل {وَإِنَّ لَكَ} على احتمال ذلك وإساغة الغصة فيه والصبر عليه {لَأَجْراً} لثوابا {غَيْرَ مَمْنُونٍ} غير مقطوع كقوله {عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} أو غير ممنون عليك به، لأنه ثواب تستوجبه على عملك، وليس بتفضل ابتداء، وإنما تمنّ الفواضل لا الأجور على الأعمال.

  {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ٤}

  استعظم خلقه لفرط احتماله الممضات من قومه وحسن مخالفته ومداراته لهم. وقيل: هو الخلق الذي أمره الله تعالى به في قوله تعالى {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ} وعن عائشة ^: أن سعيد بن هشام سألها عن خلق رسول الله ÷ فقالت: كان خلقه القرآن، ألست تقرأ القرآن: قد أفلح المؤمنون.

  {فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ ٥ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ ٦}

  {الْمَفْتُونُ} المجنون، لأنه فتن: أى محن بالجنون. أو لأن العرب يزعمون أنه من تخبيل الجن، وهم الفتان للفتاك منهم، والباء مزيدة. أو المفتون مصدر كالمعقول والمجلود، أى: بأيكم