سورة الحاقة
  عليه أثناؤها، وهو فيما بينها مرهق مضيق عليه لا يقدر على حركة، وجعلها سبعين ذراعا إرادة الوصف بالطول، كما قال: إن تستغفر لهم سبعين مرة، يريد: مرات كثيرة، لأنها إذا طالت كان الإرهاق أشد. والمعنى في تقديم السلسلة على السلك: مثله في تقديم الجحيم على النصلية. أى: لا تسلكوه إلا في هذه السلسلة، كأنها أفظع من سائر مواضع الإرهاق في الجحيم. ومعنى {ثُمَ} الدلالة على تفاوت ما بين الغل والتصلية بالجحيم، وما بينها وبين السلك في السلسلة، لا على تراخى المدة {إِنَّهُ} تعليل على طريق الاستئناف، وهو أبلغ، كأنه قيل: ما له يعذب هذا العذاب الشديد؟ فأجيب بذلك. وفي قوله {وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ} دليلان قويان على عظم الجرم في حرمان المسكين، أحدهما: عطفه على الكفر، وجعله قرينة له. والثاني: ذكر الحض دون الفعل، ليعلم أنّ تارك الحض بهذه المنزلة، فكيف بتارك الفعل، وما أحسن قول القائل:
  إذا نزل الأضياف كان عذوّرا ... على الحىّ حتّى تستقلّ مراجله
  يريد حضهم على القرى واستعجلهم وتشاكس عليهم. وعن أبى الدرداء أنه كان يحض امرأته على تكثير المرق لأجل المساكين، وكان يقول: خلعنا نصف السلسلة بالإيمان، أفلا نخلع نصفها الآخر؟ وقيل: هو منع الكفار. وقولهم: {أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ} والمعنى على بذل طعام المسكين {حَمِيمٌ} قريب يدفع عنه ويحزن عليه، لأنهم يتحامونه ويفرون منه،