الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة المعارج

صفحة 610 - الجزء 4

  بعضهم لا يبصر بعضا، وإنما يمنعهم التشاغل: وقرئ: يبصرونهم. وقرئ: ولا يسئل، على البناء للمفعول، أى: لا يقال الحميم أين حميمك ولا يطلب منه، لأنهم يبصرونهم فلا يحتاجون إلى السؤال والطلب. فإن قلت: ما موقع يبصرونهم؟ قلت: هو كلام مستأنف، كأنه لما قال {وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً} قيل: لعله لا يبصره، فقيل: يبصرونهم، ولكنهم لتشاغلهم لم يتمكنوا من تساؤلهم. فإن قلت: لم جمع الضميران في {يُبَصَّرُونَهُمْ} وهما للحميمين؟ قلت: المعنى على العموم لكل حميمين لا لحميمين اثنين. ويجوز أن يكون {يُبَصَّرُونَهُمْ} صفة، أى: حميما مبصرين معرّفين إياهم. قرئ: يومئذ، بالجرّ والفتح على البناء للإضافة إلى غير متمكن، ومن عذاب يومئذ، بتنوين {عَذابِ} ونصب {يَوْمِئِذٍ} وانتصابه بعذاب، لأنه في معنى تعذيب {وَفَصِيلَتِهِ} عشيرته الأدنون الذين فصل عنهم {تُؤْوِيهِ} تضمه انتماء إليها، أو لياذا بها في النوائب {يُنْجِيهِ} عطف على يفتدى، أى: يودّ لو يفتدى، ثم لو ينجيه الافتداء. أو من في الأرض. وثم: لاستبعاد الإنجاء، يعنى: تمنى لو كان هؤلاء جميعا تحت يده وبذلهم في فداء نفسه، ثم ينجيه ذلك وهيهات أن ينجيه {كَلَّا} ردّ للمجرم عن الودادة، وتنبيه على أنه لا ينفعه الافتداء ولا ينجيه من العذاب، ثم قال {إِنَّها} والضمير للنار، ولم يجر لها ذكر، لأنّ ذكر العذاب دل عليها. ويجوز أن يكون ضميرا مبهما ترجم عنه الخبر، أو ضمير القصة. و {لَظى} علم للنار، منقول من اللظى: بمعنى اللهب. ويجوز أن يراد اللهب. و {نَزَّاعَةً} خبر بعد خبر لأنّ، أو خبر للظى إن كانت الهاء ضمير القصة، أو صفة له إن أردت اللهب، والتأنيث لأنه في معنى النار. أو رفع على التهويل، أى: هي نزاعة. وقرئ نزاعة، بالنصب على الحال المؤكدة، أو على أنها متلظية نزاعة، أو على الاختصاص للتهويل. والشوى: الأطراف. أو جمع شواة: وهي جلدة الرأس تنزعها نزعا فتبتكها ثم تعاد {تَدْعُوا} مجاز عن إحضارهم، كأنها تدعوهم فتحضرهم. ونحوه قول ذى الرمّة:

  ... تدعو أنفه الرّبب