الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة المدثر

صفحة 654 - الجزء 4

  خبر بعد خبر «لأن» أو بحذف المبتدإ {أَنْ يَتَقَدَّمَ} في موضع الرفع بالابتداء. ولمن شاء: خبر مقدّم عليه، كقولك: لمن توضأ أن يصلى، ومعناه مطلق لمن شاء التقدّم أو التأخر أن يتقدّم أو يتأخر، والمراد بالتقدّم والتأخر: السبق إلى الخير والتخلف عنه، وهو كقوله {فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ} ويجوز أن يكون {لِمَنْ شاءَ} بدلا من {لِلْبَشَرِ} على أنها منذرة للمكلفين الممكنين: الذين إن شاءوا تقدّموا ففازوا، وإن شاءوا تأخروا فهلكوا.

  {كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ٣٨ إِلاَّ أَصْحابَ الْيَمِينِ ٣٩ فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ ٤٠ عَنِ الْمُجْرِمِينَ ٤١ ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ٤٢ قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ٤٣ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ٤٤ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ ٤٥ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ ٤٦ حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ ٤٧ فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ ٤٨}

  {رَهِينَةٌ} ليست بتأنيث رهين في قوله {كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ} لتأنيث النفس، لأنه لو قصدت الصفة لقيل: رهين، لأنّ فعيلا بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث، وإنما هي اسم بمعنى الرهن، كالشتيمة بمعنى الشتم، كأنه قيل: كل نفس بما كسبت رهن، ومنه بيت الحماسة:

  أبعد الّذى بالنّعف نعف كويكب ... رهينة رمس ذى تراب وجندل