الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الطارق

صفحة 735 - الجزء 4

  {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ ٥ خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ ٦ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ ٧}

  فإن قلت: ما وجه اتصال قوله {فَلْيَنْظُرِ} بما قبله؟ قلت: وجه اتصاله به أنه لما ذكر أن على كل نفس حافظا، أتبعه توصية الإنسان بالنظر في أوّل أمره ونشأته الأولى، حتى يعلم أنّ من أنشأه قادر على إعادته وجزائه، فيعمل ليوم الإعادة والجزاء، ولا يملى على حافظه إلا ما يسره في عاقبته، و {مِمَّ خُلِقَ} استفهام جوابه {خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ} والدفق: صبّ فيه دفع. ومعنى دافق: النسبة إلى الدفق الذي هو مصدر دفق، كاللابن والتامر. أو الاسناد المجازى. والدفق في الحقيقة لصاحبه، ولم يقل ماءين لامتزاجهما في الرحم، واتحادهما حين ابتدئ في خلقه {مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ} من بين صلب الرجل وترائب المرأة: وهي عظام الصدر حيث تكون القلادة. وقرئ: الصلب - بفتحتين، والصلب بضمتين. وفيه أربع لغات: صلب، وصلب،

  وصلب وصالب. قال العجاج: ... في صلب مثل العنان المؤدم

  وقيل: العظم والعصب من الرجل، واللحم والدم من المرأة.

  {إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ ٨ يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ ٩ فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ ١٠}

  {إِنَّهُ} الضمير للخالق، لدلالة خلق عليه. ومعناه: إنّ ذلك الذي خلق الإنسان ابتداء من نطفة {عَلى رَجْعِهِ} على إعادته خصوصا {لَقادِرٌ} لبين القدرة لا يلتاث عليه ولا يعجز عنه. كقوله: إننى لفقير {يَوْمَ تُبْلَى} منصوب برجعه، ومن جعل الضمير في {رَجْعِهِ} للماء