سورة الغاشية
  فإن قلت: كيف قيل {لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ} وفي الحاقة {وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ}؟ قلت: العذاب ألوان، والمعذبون طبقات، فمنهم. أكلة الزقوم. ومنهم أكلة الغسلين، ومنهم أكلة الضريع: {لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ}. {لا يُسْمِنُ} مرفوع المحل أو مجروره على وصف طعام. أو ضريع، يعنى: أنّ طعامهم من شيء ليس من مطاعم الإنس، وإنما هو شوك والشوك مما ترعاه الإبل وتتولع به. وهذا نوع منه تنفر عنه ولا تقربه. ومنفعتا الغذاء منتفيتان عنه: وهما إماطة الجوع، وإفادة القوّة والسمن في البدن. أو أريد: أن لا طعام لهم أصلا، لأن الضريع ليس بطعام للبهائم فضلا عن الإنس، لأن الطعام ما أشبع أو أسمن، وهو منهما بمعزل. كما تقول ليس لفلان ظل إلا الشمس، تريد: نفى الظل على التوكيد. وقيل: قالت كفار قريش: إن الضريع لتسمن عليه إبلنا فنزلت {لا يُسْمِنُ} فلا يخلو إما أن يتكذبوا ويتعنتوا بذلك وهو الظاهر، فيردّ قولهم بنفي السمن والشبع، وإما أن يصدقوا فيكون المعنى: أن طعامهم من ضريع ليس من جنس ضريعكم، إنما هو من ضريع غير مسمن ولا مغن من جوع.
  {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ ٢ عامِلَةٌ ناصِبَةٌ ٣ تَصْلى ناراً حامِيَةً ٤ تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ ٥ لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ ٦ لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ ٧ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ ٨ لِسَعْيِها راضِيَةٌ ٩ فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ ١٠ لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً ١١ فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ ١٢ فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ ١٣ وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ ١٤ وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ ١٥ وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ ١٦}
  {ناعِمَةٌ} ذات بهجة وحسن، كقوله {تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ} أو متنعمة {لِسَعْيِها راضِيَةٌ} رضيت بعملها لما رأت ما أدّاهم إليه من الكرامة والثواب {عالِيَةٍ} من علو المكان أو المقدار {لا تَسْمَعُ} يا مخاطب. أو الوجوه {لاغِيَةً} أى لغوا، أو كلمة ذات لغو. أو نفسا تلغو، لا يتكلم أهل الجنة إلا بالحكمة وحمد الله على ما رزقهم من النعيم الدائم. وقرئ: لا تسمع: على البناء للمفعول بالتاء والياء {فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ} يريد عيونا في غاية الكثرة،