الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة آل عمران

صفحة 451 - الجزء 1

  لوهب: إنى أرى الله سوف يعذبك بهذه الكتب. وقال: والله لو كنت نبيا فكتمت العلم كما تكتمه لرأيت أنّ الله سيعذبك، وعن محمد بن كعب: لا يحل لأحد من العلماء أن يسكت على علمه ولا يحل لجاهل أن يسكت على جهله حتى يسأل. وعن على رضى الله عنه. ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ على أهل العلم أن يعلموا. وقرئ: ليبيننه. ولا يكتمونه، بالياء، لأنهم غيب. وبالتاء، على حكاية مخاطبتهم، كقوله: {وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ}

  {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ١٨٨}

  {لا تَحْسَبَنَ} خطاب لرسول الله ÷. وأحد المفعولين {الَّذِينَ يَفْرَحُونَ} والثاني {بِمَفازَةٍ} وقوله {فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ} تأكيد تقديره: لا تحسبنهم، فلا تحسبنهم فائزين. وقرئ: لا تحسبن. فلا تحسبنهم، بضم الباء على خطاب المؤمنين. ولا يحسبن. فلا يحسبنهم، بالياء وفتح الباء فيهما، على أنّ الفعل للرسول. وقرأ أبو عمرو بالياء وفتح الباء في الأوّل وضمها في الثاني، على أن الفعل للذين يفرحون، والمفعول الأوّل محذوف على: لا يحسبنهم الذين يفرحون بمفازة، بمعنى: لا يحسبن أنفسهم الذين يفرحون فائزين، وفلا يحسبنهم، تأكيد. ومعنى {بِما أُوتُوا} بما فعلوا. وأتى وجاء، يستعملان بمعنى فعل. قال الله تعالى: {إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا}، {لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا}. ويدل عليه قراءة أبىّ: يفرحون بما فعلوا. وقرئ: آتوا، بمعنى أعطوا. وعن على رضى الله عنه: بما أوتوا. ومعنى {بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ} بمنجاة منه. روى أن رسول الله ÷ سأل اليهود عن شيء مما في التوراة فكتموا الحق وأخبروه بخلافه، وأروه أنهم قد صدقوه، واستحمدوا إليه، وفرحوا بما فعلوا، فأطلع الله رسوله على ذلك وسلاه بما أنزل من وعيدهم: أى: لا تحسبن اليهود الذين يفرحون بما فعلوا - من تدليسهم عليك ويحبون أن تحمدهم بما لم يفعلوا من إخبارك بالصدق عما سألتهم عنه - ناجين من العذاب. ومعنى {يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا}